منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور
أهلا ومرحبا بكم معنا في منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط على زر التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا كنت عضو في المنتدى فتكرم بالضغط على زر الدخول وتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور
أهلا ومرحبا بكم معنا في منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط على زر التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا كنت عضو في المنتدى فتكرم بالضغط على زر الدخول وتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور

مرحباً بك يا زائر - ونرحب بالعضو الجديد Yasmina

 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
تاريخ/ساعة اليوم : الإثنين 20 مايو 2024, 6:09 pm


 

 الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:11 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

أنتم تعرفون ما في تفسير الطبري من درر--وهو تفسير عظيم
الشأن له قيمته بين كتب التراث--وقد نظرت فيه فوجدت من المناسب أن أجرد
أقواله هو فقط من بين ثنايا تفسيره--مضمّنا ذلك أي قول منسوب للرسول عليه
الصلاة والسلام في تفسيره--



************************************************** ************************************************** ******

تفسير سورة يس
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الرحيم

************************************************** ***********
قال الطبري رحمه الله تعالى "

القول في تأويل قوله تعالى : يس ( 1 ) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( 2 ) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 3 ) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 4 )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( يس ) ؛ فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.


وقال آخرون: معناه: يا رجل.


.وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه.
.
وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن.

قال أبو جعفر ، وقد بيَّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع.
*****************************************

وقوله ( وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) يقول: والقرآن المحكم بما فيه من أحكامه، وبيِّنات حججه ( إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ )
يقول تعالى ذكره مقسمًا بوحيه وتنـزيله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم : إنك يا محمد لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده.


*********************************
وقوله ( عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) يقول: على طريق لا اعوجاج فيه من الهدى وهو الإسلام.

**********************************
وفي قوله ( عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وجهان؛ أحدهما: أن يكون معناه: إنك لمن المرسلين على استقامة من الحق، فيكون حينئذٍ « على » من قوله ( عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) من صلة الإرسال. والآخر أن يكون خبرًا مبتدأ، كأنه قيل: إنك لمن المرسلين، إنك على صراط مستقيم.

*********************************

القول في تأويل قوله تعالى : تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ( 5 )
اختلف القراء في قراءة قوله ( تَنـزيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( تَنـزيلُ الْعَزِيزِ ) برفع « تنـزيل »
، والرفع في ذلك يتجه من وجهين؛ أحدهما بأن يجعل خبرًا، فيكون معنى
الكلام: إنه تنـزيل العزيز الرحيم. والآخر: بالابتداء، فيكون معنى الكلام
حينئذٍ : إنك لمن المرسلين، هذا تنـزيل العزيز الرحيم. وقرأته عامة قراء
الكوفة وبعض أهل الشام ( تَنـزيلَ ) نصبًا على
المصدر من قوله إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لأن الإرسال إنما هو عن
التنـزيل، فكأنه قيل: لمنـزل تنـزيل العزيز الرحيم حقًّا.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في
قراء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. ومعنى
الكلام: إنك لمن المرسلين يا محمد إرسال الرب العزيز في انتقامه من أهل
الكفر به، الرحيم بمن تاب إليه، وأناب من كفره وفسوقه أن يعاقبه على سالف
جرمه بعد توبته له .


*********************************

القول في تأويل قوله تعالى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ( 6 ) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 7 )
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ )

فقال بعضهم: معناه: لتنذر قومًا بما أنذر الله من قبلهم من آبائهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم .
. وقال بعضهم: لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم أي: هذه الأمة لم يأتهم نذير، حتى جاءهم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .

*********************************
واختلف أهل العربية في معنى « ما » التي في قوله ( مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ )
إذا وجِّهَ معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا، ولم يُرد بها
الجحد ؛ فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: إذا أريد به غير الجحد لتنذرهم
الذي أُنذِر آباؤهم ( فَهُمْ غَافِلُونَ ) وقال:
فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز، والله أعلم. قال: وهو على الجحد أحسن،
فيكون معنى الكلام: إنك لمن المرسلين إلى قوم لم ينذر آباؤهم، لأنهم كانوا
في الفترة.

وقال بعض نحويي الكوفة: إذا لم يُرد بما الجحد، فإن معنى الكلام: لتنذرهم بما أنذر آباؤهم، فتلقى الباء، فتكون « ما » في موضع نصب ( فَهُمْ غَافِلُونَ ) يقول: فهم غافلون عما الله فاعل: بأعدائه المشركين به، من إحلال نقمته، وسطوته بهم.

********************************
وقوله ( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) يقول تعالى ذكره: لقد وجب العقاب على أكثرهم، لأن الله قد حتم عليهم في أم الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون رسوله.
**********************************
قال الطبري رحمه الله تعالى "


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ( 8 ) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ( 9 )
يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى
أعناقهم بالأغلال، فلا تُبسط بشيء من الخيرات. وهي في قراءة عبد الله فيما
ذُكر ( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ ) وقوله ( إِلَى الأذْقَانِ )
يعني: فأيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم، فكُني عن الأيمان، ولم يجر
لها ذكر لمعرفة السامعين بمعنى الكلام، وأن الأغلال إذا كانت في الأعناق لم
تكن إلا وأيدي المغلولين مجموعة بها إليها ، فاستغنى بذكر كون الأغلال في
الأعناق من ذكر الأيمان، كما قال الشاعر:

وَمـــا أدْرِي إذا يَمَّمْــتُ وَجْهًــا أُرِيـــدُ الخَــيْرَ أيُّهُمــا يَلِينِــي
أألخَـــيرُ الــذي أنَــا أبْتَغِيــهِ أم الشَّـــرُّ الَّـــذي لا يَــأتَلِيني

فكنى عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده
لعلم سامع ذلك بمعني قائله، إذ كان الشر مع الخير يذكر. والأذقان: جمع
ذَقَن، والذَّقَنُ: مجمع اللَّحيين.

وقوله ( فَهُمْ مُقْمَحُونَ )
والمقمَح هو المقنع، وهو أن يحدر الذقن حتى يصير في الصدر، ثم يرفع رأسه في
قول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة ، وفي قول بعض الكوفيين: هو
الغاض بصره بعد رفع رأسه.

*****************************

وقوله ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا )
يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بين أيدي هؤلاء المشركين سدًّا، وهو الحاجز
بين الشيئين؛ إذا فتح كان من فعل بني آدم، وإذا كان من فعل الله كان بالضم.
وبالضم قرأ ذلك قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين. وقرأه بعض المكيين
وعامة قراء الكوفيين بفتح السين ( سَدًّا ) في الحرفين كلاهما؛ والضم أعجب القراءتين إليّ في ذلك، وإن كانت الأخرى جائزة صحيحة.

وعنى بقوله ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ) أنه زين لهم سوء أعمالهم فهم يَعْمَهُونَ، ولا يبصرون رشدًا، ولا يتنبهون حقًّا.

*********************************

****************************
وقوله ( فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) يقول: فأغشينا أبصار هؤلاء أي: جعلنا عليها غشاوة ؛ فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به.

********************************

وذُكر أن هذه الآية نـزلت في أبي جهل بن هشام حين حلف أن يقتله أو يشدخ رأسه بصخرة.
*
# عن عكرمة قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا لأفعلن ولأفعلن، فأنـزلت ( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا ) .. إلى قوله ( فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) قال: فكانوا يقولون: هذا محمد، فيقول أين هو، أين هو؟ لا يبصره .

وقد رُوي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: ( فَأَعْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) بالعين بمعنى : أعشيناهم عنه، وذلك أن العَشَا هو أن يمشي بالليل ولا يبصر.

************************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( 10 ) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ( 11 )
يقول تعالى ذكره: وسواء يا محمد على هؤلاء الذين حق عليهم
القول، أي الأمرين كان منك إليهم ؛ الإنذار، أو ترك الإنذار، فإنهم لا
يؤمنون ؛ لأن الله قد حكم عليهم بذلك. وقوله ( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ) يقول تعالى ذكره: إنما ينفع إنذارك يا محمد من آمن بالقرآن، واتبع ما فيه من أحكام الله ( وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ )
يقول: وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين، لا المنافق الذي يستخف بدين
الله إذا خلا ويظهر الإيمان في الملأ ولا المشرك الذي قد طبع الله على
قلبه. وقوله ( فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ) يقول: فبشر يا محمد هذا الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب بمغفرة من الله لذنوبه ( وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) يقول: وثواب منه له في الآخرة كريم، وذلك أن يعطيه على عمله ذلك الجنة.

.

***********************************

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( 12 )
يقول تعالى ذكره ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ) من خلقنا ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ) في الدنيا من خير وشر، وصالح الأعمال وسيئها.

***********************
وقوله ( وَآثَارَهُمْ ) يعني:
وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من
مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، ليقرب عليهم.


# عن جابر، قال: أراد بنو سَلِمة قرب المسجد، قال: فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : « يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبُ آثَارُكُمْ » .
# عن جابر، قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد،
قال: والبقاع خالية، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال:
« يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبُ آثَارُكُمْ » قال: فأقاموا وقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا .

# عن أبي سعيد الخدري، قال: شكت بنو سَلِمة بُعد منازلهم إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فنـزلت ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) فقال: « عَلَيكُمْ مَنَازِلَكُم تُكْتَبُ آثارُكم » .

# عن الحسن أن بني سَلِمة كانت دورهم
قاصية عن المسجد، فهموا أن يتحولوا قرب المسجد، فيشهدون الصلاة مع النبي
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال لهم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم : « ألا تَحْتَسِبون آثارَكم يا بني سَلِمة؟ » فمكثوا في ديارهم .

***********************************.
وقوله ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين. وقيل ( مُبِينٌ ) لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه.
*****************************************

يتبع











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:11 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

******************
القول في تأويل قوله تعالى : وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ( 13 ) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ( 14 )
يقول تعالى ذكره: ومثل يا محمد لمشركي قومك مثلا أصحاب القرية ، ذُكر أنها أنطاكية ( إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ )
اختلف أهل العلم في هؤلاء الرسل، وفيمن كان أرسلهم إلى أصحاب القرية ؛
فقال بعضهم: كانوا رسل عيسى ابن مريم، وعيسى الذي أرسلهم إليهم.

وقال آخرون: بل كانوا رسلا أرسلهم الله إليهم.
**********************


وقوله ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ) يقول تعالى ذكره: حين أرسلنا إليهم اثنين يدعوانهم إلى الله فكذبوهما فشددناهما بثالث، وقويناهما به.

*********************
وقوله ( فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ )
يقول: فقال المرسلون الثلاثة لأصحاب القرية: إنَّا إليكم أيها القوم
مرسلون، بأن تُخْلِصوا العبادة لله وحده، لا شريك له، وتتبرءوا مما تعبدون
من الآلهة والأصنام.


*******************

وبالتشديد في قوله ( فَعَزَّزْنَا )
قرأت القراء سوى عاصم، فإنه قرأه بالتخفيف، والقراءة عندنا بالتشديد،
لإجماع الحجة من القراء عليه، وأن معناه، إذا شُدد: فقوينا، وإذا خُفف:
فغلبنا، وليس لغلبنا في هذا الموضع كثير معنى.

*************************

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ ( 15 ) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ( 16 ) وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ( 17 )
يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية
للثلاثة الذين أرسلوا إليهم حين أخبروهم أنهم أرسلوا إليهم بما أرسلوا به:
ما أنتم أيها القوم إلا أُناس مثلنا، ولو كنتم رسلا كما تقولون، لكنتم
ملائكة (
وَمَا أَنـزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ ) يقول: قالوا: وما أنـزل الرحمن إليكم من رسالة ولا كتاب ولا أمركم فينا بشيء ( إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ ) في قيلكم إنكم إلينا مرسلون

( قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) يقول: قال الرسل: ربنا يعلم إنَّا إليكم لمرسلون فيما دعوناكم إليه، وإنَّا لصادقون
( وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )
يقول: وما علينا إلا أن نبلغكم رسالة الله التي أرسلنا بها إليكم بلاغًا
يبين لكم أنَّا أبلغناكموها، فإن قبلتموها فحظ أنفسكم تصيبون، وإن لم
تقبلوها فقد أدينا ما علينا، والله ولي الحكم فيه.

*************************

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 18 )
يقول تعالى ذكره: قال أصحاب القرية للرسل ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ) يعنون: إنَّا تشاءمنا بكم، فإن أصابنا بلاء فمن أجلكم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ) قالوا: إن أصابنا شر، فإنما هو من أجلكم .
وقوله ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ )
يقول: لئن لم تنتهوا عمَّا ذكرتم من أنكم أرسلتم إلينا بالبراءة من
آلهتنا، والنهي عن عبادتنا لنرجمنكم، قيل: عني بذلك لنرجمنكم بالحجارة.

**********************
القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ( 19 ) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ( 20 ) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ( 21 )
يقول تعالى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية ( طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ )
يقولون: أعمالكم وأرزاقكم وحظكم من الخير والشر معكم، ذلك كله في أعناقكم،
وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فيما كتب عليكم، وسبق لكم من الله.


******************.
وقوله ( أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ) اختلفت القراءة في قراءة ذلك ؛ فقرأته عامة قراء الأمصار ( أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ) بكسر الألف من « إن » وفتح ألف الاستفهام: بمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم، ثم أدخل على « إن »
التي هي حرف جزاء ألف استفهام في قول بعض نحويي البصرة، وفي قول بعض
الكوفيين منوي به التكرير، كأنه قيل: طائركم معكم إن ذكرتم فمعكم طائركم،
فحذف الجواب اكتفاء بدلالة الكلام عليه. وإنما أنكر قائل هذا القول القول
الأول، لأن ألف الاستفهام قد حالت بين الجزاء وبين الشرط، فلا تكون شرطا
لما قبل حرف الاستفهام. وذُكر عن أَبي رزين أنه قرأ ذلك (
أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ) بمعنى: ألأن ذكرتم طائركم معكم؟. وذُكر . نعم بعض قارئيه أنه قرأه ( قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكَمْ أَيْنَ ذُكِرْتُمْ ) بمعنى: حيث ذُكِرْتُمْ بتخفيف الكاف من ذكرتم.

والقراءة التي لا نجيز القراءة
بغيرها القراءة التي عليها قراء الأمصار، وهي دخول ألف الاستفهام على حرف
الجزاء، وتشديد الكاف على المعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك، لإجماع الحجة
من القراء عليه.


###############) .
وقوله ( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) يقول: قالوا لهم: ما بكم التطير بنا، ولكنكم قوم أهل معاصٍ لله وآثامٍ، قد غلبت عليكم الذنوب والآثام.
###############
وقوله ( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى )
يقول: وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إليهم هذه الرسل رجل
يسعى إليهم؛ وذلك أن أهل المدينة هذه عزموا، واجتمعت آراؤهم على قتل هؤلاء
الرسل الثلاثة فيما ذكر، فبلغ ذلك هذا الرجل، وكان منـزله أقصى المدينة،
وكان مؤمنًا، وكان اسمه فيما ذكر
« حبيب بن مري » .


وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم: هل
يطلبون على ما جاءوا به أجرًا؟ فقالت الرسل: لا فقال لقومه حينئذٍ: اتبعوا
من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرًا .

##################

. وقوله ( وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) يقول: وهم على استقامة من طريق الحق، فاهتدوا أيها القوم بهداهم.

#####################


القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 22 ) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ ( 23 ) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 24 ) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ( 25 )
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هذا الرجل المؤمن ( وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ) أي: وأي شيء لي لا أعبد الرب الذي خلقني ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: وإليه تصيرون أنتم أيها القوم وتردون جميعًا، وهذا حين أبدى لقومه إيمانه بالله وتوحيده.
كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة،
عن ابن إسحاق فيما بلغه، عن ابن عباس، وعن كعب الأحبار، وعن وهب بن منبه
قال: ناداهم - يعني نادى قومه- بخلاف ما هم عليه من عبادة الأصنام، وأظهر
لهم دينه وعبادة ربه، وأخبرهم أنه لا يملك نفعه ولا ضره غيره، فقال (
وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) ثم عابها، فقال ( إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ ) وشدة ( لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ ) .


#####################

وقوله ( أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) يقول: أأعبد من دون الله آلهة، يعني معبودًا سواه ( إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ ) يقول: إذ مسني الرحمن بضر وشدة ( لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ) يقول: لا تغني عني شيئًا بكونها إليَّ شفعاء، ولا تقدر على رفع ذلك الضر عني ( وَلا يُنْقِذُونِ ) يقول: ولا يخلصوني من ذلك الضر إذا مسني.
وقوله ( إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول إني إن اتخذت من دون الله آلهة هذه صفتها ( إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) لمن تأمله، جوره عن سبيل الحق.

#############
وقوله ( إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ) فاختلف في معنى ذلك، فقال بعضهم: قال هذا القول هذا المؤمن لقومه يعلمهم إيمانه بالله.

وقال آخرون:
بل خاطب بذلك الرسل، وقال لهم: اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند
ربي، وأني قد آمنت بكم واتبعتكم؛ فذكر أنه لما قال هذا القول، ونصح لقومه
النصيحة التي ذكرها الله في كتابه وثبوا به فقتلوه.

ثم اختلف أهل التأويل في صفة قتلهم إياه، فقال بعضهم: رجموه بالحجارة .
.
وقال آخرون: بل وثبوا عليه، فوطئوه بأقدامهم حتى مات.
***********************************

القول في تأويل قوله تعالى : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ( 26 ) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ( 27 )
يقول تعالى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه ( ادْخُلِ الْجَنَّةَ ) فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه ( قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي )
يقول: يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وجعلني من
الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته، كان إيماني بالله وصبري فيه، حتى
قتلت، فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة.


############################


القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ ( 28 ) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ( 29 )
يقول تعالى ذكره: وما أنـزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم ( مِنْ بَعْدِهِ ) يعني: من بعد مهلكه ( مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم
ينـزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنه لم ينـزل
الله بعد ذلك إليهم رسالة، ولا بعث إليهم نبيًّا.

ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد، قوله ( مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ) قال: رسالة .

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حَكَّام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) قال: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) .
وقال آخرون: بل عني بذلك أن الله تعالى ذكره لم يبعث لهم جنودًا يقاتلهم بها، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض
أصحابه، أن عبد الله بن مسعود، قال: غضب الله له، يعني لهذا المؤمن،
لاستضعافهم إياه غضبةً لم تبق من القوم شيئًا، فعجَّل لهم النقمة بما
استحلوا منه، وقال: ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) يقول: ما كاثرناهم بالجموع أي الأمر أيسر علينا من ذلك ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) فأهلك الله ذلك الملك وأهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم تبق منهم باقية .

وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية، وذلك أن
الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك الرُّسُل، فيكون
وجهًا، وإن كان أيضًا من المفهوم بظاهر الآية بعيدًا، وذلك أن الرسل من بني
آدم لا ينـزلون من السماء والخبر في ظاهر هذه الآية عن أنه لم ينـزل من
السماء بعد مَهْلِك هذا المؤمن على قومه جندًا وذلك بالملائكة أشبه منه
ببني آدم.

وقوله ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) يقول: ما كانت هَلَكتهم إلا صيحة واحدة أنـزلها الله من السماء عليهم.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً ) نصبا على التأويل الذي ذكرت، وأنّ في كانت مضمرًا وذُكر عن أبي جعفر المدني أنه قرأه ( إلا صيْحَةٌ وَاحِدَةٌ ) رفعًا على أنها مرفوعة بكان، ولا مضمر في كان.
والصواب من القراءة في ذلك عندي النصب لإجماع الحجة على ذلك، وعلى أن في كانت مضمرًا.
وقوله ( فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) يقول: فإذا هم هالكون.

#########################

القول في تأويل قوله تعالى : يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 30 )
يقول تعالى ذكره: يا حسرةً من العباد على أنفسها وتندّما وتلهفا في استهزائهم برسل الله ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ) من الله ( إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) وذكر أن ذلك في بعض القراءات ( يَاحَسْرَةَ العِبَادِ عَلى أنْفُسِهَا ) .

. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: يا لها حسرة على العباد .
##############

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ( 31 ) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( 32 )
يقول تعالى ذكره: ألم ير هؤلاء المشركون بالله من قومك يا محمد كم أهلكنا قبلهم بتكذيبهم رسلنا، وكفرهم بآياتنا من القرون الخالية ( أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ ) يقول: ألم يَرَوا أنهم إليهم لا يرجعون.

############
و « كَمْ » من قوله ( كَمْ أَهْلَكْنَا ) في موضع نصب إن شئت بوقوع يروا عليها. وقد ذَكر أن ذلك في قراءة عبد الله: ( ألَمْ يَرَوْا مَنْ أهْلَكْنَا ) وإن شئت بوقوع أهلكنا عليها؛ وأما « أنهم » ، فإن الألف منها فتحت بوقوع يروا عليها. وذُكر عن بعضهم أنه كسر الألف منها على وجه الاستئناف بها، وترك إعمال يروا فيها.

################
وقوله ( وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) يقول تعالى ذكره: وإن كل هذه القرون التي أهلكناها والذين لم نهلكهم وغيرهم عندنا يوم القيامة جميعهم محضرون.

############
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: ( وَإنْ كُلٌّ لَمَا ) بالتخفيف توجيها منهم إلى أن ذلك « ما » أدخلت عليها اللام التي تدخل جوابًا لإنْ وأن معنى الكلام: وإن كلّ لجميع لدينا محضرون. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة ( لَمَّا )
بتشديد الميم. ولتشديدهم ذلك عندنا وجهان: أحدهما: أن يكون الكلام عندهم
كان مرادًا به: وإن كلّ لمما جميع، ثم حذفت إحدى الميمات لما كثرت، كما قال
الشاعر:

غَـدَاةَ طَفَـتْ عَلْمَـاءِ بَكْـرُ بنُ وَائِلٍ وَعُجْنَـا صُـدُورَ الخَـيْلِ نَحْـوَ تَمِيـمٍ
والآخر: أن يكونوا أرادوا أن تكون ( لَمَّا ) بمعنى إلا مع إنْ خاصة فتكون نظيرة إنما إذا وضعت موضع « إلا » . وقد كان بعض نحويِّي الكوفة يقول: كأنها « لَمْ » ضمت إليها « ما » ، فصارتا جميعا استثناء، وخرجتا من حد الجحد. وكان بعض أهل العربية يقول: لا أعرف وجه « لمَّا » بالتشديد.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
#################

القول في تأويل قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ( 33 ) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ( 34 )
يقول تعالى ذكره: ودلالة لهؤلاء المشركين على قُدرة الله
على ما يشاء، وعلى إحيائه من مات من خلقه وإعادته بعد فنائه، كهيئته قبل
مماته إحياؤه الأرض الميتة، التي لا نبت فيها ولا زرع بالغيث الذي ينـزله
من السماء حتى يخرج زرعها، ثم إخراجه منها الحب الذي هو قوت لهم وغذاء،
فمنه يأكلون.


##############
وقوله ( وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) يقول تعالى ذكره: وجعلنا في هذه الأرض التي أحييناها بعد موتها بساتين من نخيل وأعناب ( وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ) يقول: وأنبعنا فيها من عيون الماء.

#################

القول في تأويل قوله تعالى : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ( 35 )
يقول تعالى ذكره: أنشأنا هذه الجنات في هذه الأرض ليأكل
عبادي من ثمره، وما عملت أيديهم يقول: ليأكلوا من ثمر الجنات التي أنشأنا
لهم، وما عملت أيديهم مما غرسوا هم وزرعوا. و « ما » التي في قوله ( وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ) في موضع خفض عطفًا على الثمر، بمعنى: ومن الذي عملت؛ وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر: ( وَممَّا عَمِلَتْهُ ) بالهاء على هذا المعنى ، فالهاء في قراءتنا مضمرة، لأن العرب تضمرها أحيانًا، وتظهرها في صلات: من، وما، والذي. ولو قيل: « ما »
بمعنى المصدر كان مذهبًا، فيكون معنى الكلام: ومن عمل أيديهم ، ولو قيل:
إنها بمعنى الجحد ولا موضع لها كان أيضًا مذهبا، فيكون معنى الكلام:
ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم. وقوله ( أَفَلا يَشْكُرُونَ ) يقول: أفلا يشكر هؤلاء القوم الذين رزقناهم هذا الرزق من هذه الأرض الميتة التي أحييناها لهم مَنْ رزقهم ذلك وأنعم عليهم به؟

###################

القول في تأويل قوله تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ( 36 )
يقول تعالى ذكره تنـزيها وتبرئة للذي خلق الألوان المختلفة
كلها من نبات الأرض، ومن أنفسهم، يقول: وخلق من أولادهم ذكورًا وإناثًا،
ومما لا يعلمون أيضًا من الأشياء التي لم يطلعهم عليها، خلق كذلك أزواجًا
مما يضيف إليه هؤلاء المشركون، ويصفونه به من الشركاء وغير ذلك.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ( 37 ) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( 38 )
يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضًا على قدرة الله على فعل كل ما شاء ( اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ) يقول: ننـزع عنه النهار. ومعنى « منه »
في هذا الموضع: عنه، كأنه قيل: نسلخ عنه النهار، فنأتي بالظلمة ونذهب
بالنهار. ومنه قوله وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ
آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا أي: خرج منها وتركها، فكذلك انسلاخ الليل من
النهار. وقوله ( فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ) يقول: فإذا هم قد صاروا في ظلمة بمجيء الليل.

وقال قتادة في ذلك --قوله ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ )
قال: يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل ، وهذا الذي قاله قتادة
في ذلك عندي، من معنى سلخ النهار من الليل، بعيد ، وذلك أن إيلاج الليل في
النهار، إنما هو زيادة ما نقص من ساعات هذا في ساعات الآخر، وليس السلْخ
من ذلك في شيء، لأن النهار يسلخ من الليل كله، وكذلك الليل من النهار كله،
وليس يولج كلّ الليل في كلّ النهار، ولا كلّ النهار في كلّ الليل.

وقوله ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا )
يقول تعالى ذكره: والشمس تجري لموضع قرارها، بمعنى: إلى موضع قرارها؛
وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .

* عن أبي ذرَ الغفاريّ، قال: كنت جالسا عند النبي صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في المسجد، فلما غَرَبت الشمس، قال: يا أبا ذَرّ
هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ الشَّمْسُ ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنها
تذهب فتسجد بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا ، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ بالرُّجُوعِ
فَيُؤْذَنُ لَهَا ، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ
جِئْتِ ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَكَانِهَا وَذَلِكَ مُسْتَقَرّها « . »

وقال بعضهم في ذلك : وقت واحد لا تعدوه .
وقال آخرون: معنى ذلك: تجري
لمجرى لها إلى مقادير مواضعها، بمعنى: أنها تجري إلى أبعد منازلها في
الغروب، ثم ترجع ولا تجاوزه. قالوا: وذلك أنها لا تزال تتقدم كلّ ليلة حتى
تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع.

#############

وقوله ( ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ )
يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقر لها، تقدير العزيز في انتقامه
من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يخفي عليه
خافية.

###################

القول في تأويل قوله تعالى : وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ( 39 ) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( 40 )
اختلفت القراء في قراءة قوله ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) فقرأه بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين: ( وَالقَمَرُ )
رفعا عطفًا بها على الشمس، إذ كانت الشمس معطوفة على الليل، فأتبعوا القمر
أيضًا الشمس في الإعراب، لأنه أيضًا من الآيات، كما الليل والنهار آيتان،
فعلى هذه القراءة تأويل الكلام: وآية لهم القمرُ قدّرناه منازل. وقرأ ذلك
بعض المكيين وبعض المدنيين وبعض البصريين، وعامة قرّاء الكوفة نصبا ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ ) بمعنى: وقدّرنا القمر منازل، كما فعلنا ذلك بالشمس، فردّوه على الهاء من الشمس في المعنى، لأن الواو التي فيها للفعل المتأخر.

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب،
###########

فتأويل الكلام: وآية لهم، تقديرنا القمر منازل للنقصان بعد
تناهيه وتمامه واستوائه، حتى عاد كالعرجون القديم ؛ والعرجون: من العذق من
الموضع النابت في النخلة إلى موضع الشماريخ ؛ وإنما شبهه جل ثناوه بالعرجون
القديم، والقديم هو اليابس، لأن ذلك من العِذْق، لا يكاد يوجد إلا
متقوّسًا منحنيًا إذا قدم ويبس، ولا يكاد أن يُصاب مستويًا معتدلا كأغصان
سائر الأشجار وفروعها، فكذلك القمرُ إذا كان في آخر الشهر قبل استسراره،
صار في انحنائه وتقوّسه نظير ذلك العرجون.

#################
وقوله ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) يقول تعالى ذكره: لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارًا لا ليل فيها ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلا.
###########
وفي قوله ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) قال: يتطالبان حَثيثين ينسلخ أحدهما من الآخر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) قال: لا يدرك هذا ضوءَ هذا ولا هذا ضوء هذا .
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ) وهذا في ضوء القمر وضوء الشمس، إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء، وإذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشمس ضوء ( وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ )
قال: في قضاء الله وعلمه أن لا يفوت الليل النهار حتى يدركه، فيذهب ظلمته،
وفي قضاء الله أن لا يفوت النهار الليل حتى يدركه، فيذهب بضوئه .


وأنْ من قوله ( أَنْ تُدْرِكَ ) في موضع رفع بقوله: ينبغي.
#############

وقوله ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون.
#################
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:11 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( 41 ) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ( 42 ) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ( 43 ) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ( 44 )
يقول تعالى ذكره: ودليل لهم أيضًا، وعلامة على قُدرتنا على
كلّ ما نشاء، حملنا ذرّيتهم ، يعني من نجا من ولد آدم في سفينة نوح، وإياها
عنى جلّ ثناؤه بالفُلك المشحون؛ والفلك: هي السفينة، والمشحون: المملوء
الموقر.


********************

********************.
وقوله ( وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ )
يقول تعالى ذكره: وخلقنا لهؤلاء المشركين المكذّبيك يا محمد، تفضلا منا
عليهم، من مثل ذلك الفلك الذي كنا حملنا من ذرية آدم مَنْ حملنا فيه الذي
يركبونه من المراكب.

ثم اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله ( مَا يَرْكَبُونَ ) فقال بعضهم: هي السفن.
وقال آخرون: بل عني بذلك الإبل.
**********************
وأشبه القولين بتأويل ذلك قول من قال: عُنِي بذلك السفن، وذلك لدلالة قوله ( وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ ) على أن ذلك كذلك، وذلك أن الغرق معلوم أن لا يكون إلا في الماء، ولا غرق في البرّ.

******************
وقوله ( وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ ) يقول تعالى ذكره: وإن نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفُلك في البحر ( فَلا صَرِيخَ لَهُمْ ) يقول: فلا مُغِيث لهم إذا نحن غرّقناهم يُغِيثهم، فينجيهم من الغرق.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ ) أي: لا مُغِيث
*****************

وقوله ( وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ ) يقول: ولا هو ينقذهم من الغرق شيء إن نحن أغرقناهم في البحر، إلا أن ننقذهم نحن رحمة منا لهم، فننجيهم منه.
وقوله ( وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ) يقول: ولنمتعهم إلى أجل هم بالغوه، فكأنه قال: ولا هم يُنْقذُونَ، إلا أن نرحمهم فنمتعهم إلى أجل .
******************

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( 45 ) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( 46 )
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله،
المكذّبين رسوله محمدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : احذروا ما مضى بين
أيديكم من نقم الله وَمثُلاته بمن حلّ ذلك به من الأمم قبلكم أن يحلّ مثله
بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله. ( وَمَا خَلْفَكُمْ ) يقول: وما بعد هلاككم مما أنتم لاقوه إن هلكتم على كفركم الذي أنتم عليه ( لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) يقول: ليرحمكم ربكم إن أنتم حذرتم ذلك، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والإيمان به، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه.

وكان مجاهد يقول في ذلك ---- قوله ( مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ )
قال: ما مضى من ذنوبهم ، وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا، لأن
معناه: اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم، وما خلفكم مما تعملون من
الذنوب ولم تعملوه بعد، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم.

**********************

وقوله ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ )
يقول تعالى ذكره: وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية، يعني حجة من حُجَج
الله، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده، وتصديق رَسُوله، إلا كانوا
عنها معرضين، لا يتفكرون فيها، ولا يتدبرونها، فيعلموا بها ما احتجّ الله
عليهم بها.


****************
فإن قال قائل: وأين جواب قوله ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ ) ؟ قيل: جوابه وجواب قوله ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ ) ... قوله ( إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله، فاكتفي بالجواب عن قوله ( اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ) وعن قوله ( وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ ) بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك، لأن معنى الكلام: وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا، وإذا أتتهم آية أعرضوا.

******************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ
أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 47 )

يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله: أنفقوا
من رزق الله الذي رزقكم، فأدوا منه ما فرض الله عليكم فيه لأهل حاجتكم
ومسكنتكم، قال الذين أنكروا وحدانية الله، وعبدوا من دونه للذين آمنوا
بالله ورسوله: أنطعم أموالنا وطعامنا مَنْ لو يشاء الله أطعمه.

**********************

وفي قوله ( إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )
وجهان: أحدهما أن يكون من قيل الكفار للمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ:
ما أنتم أيها القومُ في قيلكم لنا: أنفقوا مما رزقكم الله على مساكينكم،
إلا في ذهاب عن الحق، وجور عن الرشد مُبين لمن تأمله وتدبره، أنه في ضلال ،
وهذا أولى وجهيه بتأويله. والوجه الآخر: أن يكون ذلك من قيل الله
للمشركين، فيكون تأويله حينئذ: ما أنتم أيها الكافرون في قيلكم للمؤمنين:
أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إلا في ضلال مبين، عن أن قيلكم ذلك لهم ضلال.


*****************
القول في تأويل قوله تعالى : وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 48 )
يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون المكذبون وعيد الله، والبعثَ بعد الممات، يستعجلون ربهم بالعذاب ( مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ) أي: الوعد بقيام الساعة ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أيها القوم، وهذا قولهم لأهل الإيمان بالله ورسوله.

******************

القول في تأويل قوله تعالى : مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ( 49 ) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ( 50 )
يقول تعالى ذكره: ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون
بوعيد الله إياهم، إلا صيحة واحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفَزَع عند قيام
الساعة.


# عن قتادة ( مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) ذُكر لنا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: «
تَهِيجُ السَّاعَةُ بالنَّاسِ وَالرَّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ، والرَّجُلُ
يُصْلِحُ حَوْضَهُ، والرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ والرَّجُلُ
يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ، فَلا
يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونِ »
.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً ) قال: النفخة نفخة واحدة .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي،
عن إسماعيل بن رافع، عمن ذكره، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : «
إِنَّ الله لمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمواتِ والأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ،
فأعْطاهُ إسْرافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى
العَرْش يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ ، قال أبو هريرة: يا رسول الله: وما
الصور؟ قال: قَرْنٌ قال: وكَيْفَ هُوَ؟ قال: قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ
ثَلاثُ نَفَخاتٍ، الأولى نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِيِةُ نَفْخَةُ
الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام لِرَب العالَمِينَ، يَأْمُرُ
الله إسْرَافِيلَ بالنَّفْخَةِ الأولى فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ
الفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَاوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ
اللهُ، ويَأْمُرُهُ اللهُ فَيُدِيمُهَا ويُطَوِّلُها، فَلا يَفْتُرُ،
وَهِيَ التي يَقُولُ اللهُ وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً
وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ثُمَّ يَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ
بنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ
أهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللهُ، فإذَا هُمْ
خَامِدُونَ، ثُمَّ يُمِيتُ مَنْ بَقِيَ، فَإِذاَ لمَْ يَبْقَ إِلا اللَّه
الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، بَدَّلَ الأرْضَ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ،
فَيَبْسُطُهَا وَيَسْطَحُهَا، وَيَمُدُّهَا مَدَّ الأدِيمِ الْعُكَاظِي، لا
تَرَى فِيهَا عِوَجا وَلا أَمْتا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ
زَجْرَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ
مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأولى ما كانَ في بَطْنها كان في بَطْنِها، وَما كانَ
على ظَهْرِها كانَ عَلى ظَهْرِها »
.


**************************
واختلفت القراء في قراءة قوله ( وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة: ( وَهُمْ يَخْصّمُون )
بسكون الخاء وتشديد الصاد، فجمع بين الساكنين، بمعنى: يختصمون، ثم أدغم
التاء في الصاد فجعلها صادا مشددة، وترك الخاء على سكونها في الأصل. وقرأ
ذلك بعض المكيين والبصريين: ( وَهُمْ يَخَصّمُون )
بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى: يختصمون، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي
الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها، فحرّكوها بتحريكها، وأدغموا التاء
في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة: ( يَخِصِّمُونَ ) بكسر الخاء وتشديد الصاد، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك آخرون منهم: ( يَخْصِمُون ) بسكون الخاء وتخفيف الصاد، بمعنى ( يَفْعِلُون )
من الخصومة، وكأن معنى قارئ ذلك كذلك: كأنهم يتكلمون، أو يكون معناه عنده:
كان وهم عند أنفسهم يَخْصِمُون مَن وعدهم مجيء الساعة، وقيام القيامة،
ويغلبونه بالجدل في ذلك.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفات في قرّاء الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهنّ قرأ القارئ فمصيب.

**********************
وقوله ( فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ) يقول تعالى ذكره: فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في الصُّور أن يوصوا في أموالهم أحدا ( وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ) يقول: ولا يستطيع من كان منهم خارجا عن أهله أن يرجع إليهم، لأنهم لا يُمْهَلون بذلك. ولكن يُعَجَّلون بالهلاك.
**********************
القول في تأويل قوله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ( 51 ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ( 52 ) إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ( 53 )
يقول تعالى ذكره ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ )
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين والصواب من القول فيه بشواهده فيما مضى قبل
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، ويُعْنَى بهذه النفخة، نفخة البعث.



**************

وقوله ( فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ )
يعني من أجداثهم، وهي قبورهم، واحدها جدث، وفيها لغتان، فأما أهل العالية،
فتقوله بالثاء: جَدَث، وأما أهل السافلة فتقوله بالفاء جَدَف.


******************
وقوله ( إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ) يقول: إلى ربهم يخرجون سراعا، والنَّسَلان: الإسراع في المشي.

****************
وقوله ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المشركون لما نفخ في الصور نفخة البعث لموقف القيامة فردت أرواحهم إلى أجسامهم، وذلك بعد نومة ناموها ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) وقد قيل: إن ذلك نومة بين النفختين.

***************.
ويعني بقوله ( مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ) من أيقظنا من منامنا، وهو من قولهم: بعث فلان ناقته فانبعثت، إذا أثارها فثارت. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: ( مِنْ أّهَبَّنَاِ مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا ) .. وفي قوله ( هَذَا ) وجهان: أحدهما: أن تكون إشارة إلى « ما » ، ويكون ذلك كلاما مبتدأ بعد تناهي الخبر الأول بقوله ( مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) فتكون « ما »
حينئذ مرفوعة بهذا، ويكون معنى الكلام: هذا وعد الرحمن وصدق المرسلون.
والوجه الآخر: أن تكون من صفة المرقد، وتكون خفضا وردا على المرقد، وعند
تمام الخبر عن الأول، فيكون معنى الكلام: من بعثنا من مرقدنا هذا، ثم
يبتدىء الكلام فيقال: ما وعد الرحمن، بمعنى: بعثكم وعد الرحمن، فتكون « ما » حينئذ رفعا على هذا المعنى.

***************
وقد اختلف أهل التأويل في الذي يقول حينئذ: هذا ما وعد الرحمن، فقال بعضهم: يقول ذلك أهل الإيمان بالله.

*************
وقال آخرون: بل كلا القولين، أعني ( يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) : من قول الكفار.
.
والقول الأول أشبه بظاهر التنـزيل، وهو أن يكون من كلام المؤمنين، لأن الكفار في قيلهم ( مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا )
دليل على أنهم كانوا بمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهَّالا ولذلك من جهلهم
استثبتوا، ومحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلا من غيرهم، ممن خالفت صفته
صفتهم في ذلك.

*********************

وقوله ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) يقول تعالى ذكره: إن كانت إعادتهم أحياء بعد مماتهم إلا صيحة واحدة، وهي النفخة الثالثة في الصور ( فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ )
يقول: فإذا هم مجتمعون لدينا قد أُحْضروا، فأشهدوا مَوْقفَ العرض والحساب،
لم يتخلف عنه منهم أحد. وقد بينا اختلاف المختلفين في قراءتهم ( إِلا صَيْحَةً ) بالنصب والرفع فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.


**************************

القول في تأويل قوله تعالى : فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 54 )
يقول تعالى ذكره ( فَالْيَوْمَ ) يعني يوم القيامة ( لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا )
كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح، ولا يحمل
عليها وِزْر غيرها، ولكنه يوفي كلّ نفس أجر ما عملت من صالح، ولا يعاقبها
إلا بما اجترمت واكتسبت من شيء ( وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يقول: ولا تكافئون إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:12 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


################
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( 55 )
وقوله ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) اختلف أهل التأويل في معنى الشغل الذي وصف الله جلّ ثناؤه أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة، فقال بعضهم: ذلك افتضاض العذارَى.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: أنهم في نعمة .
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم في شغل عما فيه أهل النار.
.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) وهم أهلها ( فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ) بنعم تأتيهم في شغل، وذلك الشغل الذي هم فيه نعمة، وافتضاض أبكار، ولهو ولذة، وشغل عما يلقى أهل النار.

########################
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله ( فِي شُغُلٍ ) فقرأت ذلك عامة قراء المدينة وبعض البصريين على اختلاف عنه: ( فِي شُغْلٍ )
بضم الشين وتسكين الغين. وقد رُوي عن أبي عمرو الضم في الشين والتسكين في
الغين، والفتح في الشين والغين جميعًا في شغل.وقرأ ذلك بعض أهل المدينة
والبصرة وعامة قراء أهل الكوفة ( فِي شُغُلٍ ) بضم الشين والغين.
والصواب في ذلك عندي قراءته بضم الشين والغين، أو بضم الشين وسكون الغين،
بأي ذلك قرأه القارئ فهو مصيب، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في قراء
الأمصار مع تقارب معنييهما. وأما قراءته بفتع الشين والغين، فغير جائزة
عندي، لإجماع الحجة من القراء على خلافها.
################


واختلفوا أيضًا في قراءة قوله ( فَاكِهُونَ ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ( فَاكِهُونَ ) بالألف. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه: ( فَكِهُونَ ) بغير ألف.
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بالألف، لأن ذلك هو القراءة المعروفة.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فَرِحون.
وقال آخرون: معناه: عجبون.

###
واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض البصريين:
منهم الفكه الذي يتفكَّه. وقال: تقول العرب للرجل الذي يتفكَّه بالطعام أو
بالفاكهة، أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكِه بأعراض الناس، قال: ومن قرأها ( فَاكِهُونَ ) جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحُطَيئة:
وَدَعَـــوْتَنِي وَزَعَمْـــتَ أنَّــكَ لابــــنٌ بـــالصَّيْفِ تـــامِرْ
أي عنده لبن كثير، وتمر كثير، وكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. وقال بعض
الكوفيين: ذلك بمنـزلة حاذرون وحذرون، وهذا القول الثاني أشبه بالكلمة.


############

القول في تأويل قوله تعالى : هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ ( 56 ) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ( 57 ) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ( 58 )
يعني تعالى بقوله ( هُمْ ) أصحاب الجنة ( وَأَزْوَاجُهُمْ ) من أهل الجنة في الجنة.
كما حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ووقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ ) قال: حلائلهم في ظلل .
##############


واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: ( فِي ظُلَلٍ ) بمعنى: جمع ظلة، كما تُجمع الْحُلة حُلَلا. وقرأه آخرون ( في ظِلالٍ )
؛ وإذا قرىء ذلك كذلك كان له وجهان: أحدهما أن يكون مُرادًا به جمع
الظُّلَل الذي هو بمعنى الكِنّ، فيكون معنى الكلمة حينئذ: هم وأزواجهم في
كِنّ لا يضْحَوْن لشمس كما يَضْحَى لها أهلُ الدنيا، لأنه لا شمس فيها.
والآخر: أن يكون مرادا به جمع ظلة، فيكون وجه جمعها كذلك نظير جمعهم الخلة
في الكثرة: الخلال، والقُلَّة: قِلال.
وقوله ( عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ )
والأرائك: هي الحِجال فيها السُرر والفُرُش: واحدتها أريكة، وكان بعضهم
يزعم أن كل فِراش فأريكة، ويستشهد لقوله ذلك بقول ذي الرمة:
....................... كأنَّمـا يُبَاشِـرْنَ بالمَعزاءِ مَسَّ الأرَائِكِ
########################


وقوله ( لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ) يقول لهؤلاء الذين ذكرهم تبارك وتعالى من أهل الجنة في الجنة فاكهة ( وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ ) يقول: ولهم فيها ما يتَمنُّون. وذُكر عن العرب أنها تقول: دع عليّ ما شئت أي: تمنّ عليّ ما شئت.

#######################
وقوله ( سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) في
رفع سلامٌ وجهان في قول بعض نحويّي الكوفة؛ أحدهما: أن يكون خبرا لما
يدّعون، فيكون معنى الكلام: ولهم ما يدّعون مسلَّم لهم خالص. وإذا وُجِّه
معنى الكلام إلى ذلك كان القول حينئذ منصوبا توكيدا خارجا من السلام، كأنه
قيل: ولهم فيها ما يدّعون مسلَّم خالص حقا، كأنه قيل: قاله قولا. والوجه
الثاني: أن يكون قوله ( سَلامٌ ) مرفوعا على المدح، بمعنى: هو سلام لهم قولا من الله. وقد ذُكر أنها في قراءة عبد الله: ( سَلامًا قَوْلا ) على أن الخبر متناه عند قوله ( وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ )
ثم نصب سلاما على التوكيد، بمعنى: مسلما قولا. وكان بعضُ نحويّي البصرة
يقول: انتصب قولا على البدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال: أقول ذلك قولا.
قال: ومن نصبها نصبها على خبر المعرفة على قوله ( وَلَهُمْ ) فيها ( مَا يَدَّعُونَ ) .

##
والذي هو أولى بالصواب على ما جاء به الخبر عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، أن يكون ( سَلامٌ ) خبرا لقوله ( وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ )
فيكون معنى ذلك: ولهم فيها ما يدعون، وذلك هو سلام من الله عليهم، بمعنى:
تسليم من الله، ويكون قَولا ترجمة ما يدعون، ويكون القول خارجا من قوله:
سلام.
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لما حَدَّثنا به إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال:
ثنا أبو عبد الرحمن المقري عن حرملة، عن سليمان بن حميد، قال: سمعت محمد
بن كعب، يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل
النار، أقبل يمشي في ظُلَل من الغمام والملائكة، فيقف على أول أهل درجة،
فيسلم عليهم، فيردون عليه السلام، وهو في القرآن ( سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ )
فيقول: سَلُوا، فيقولون: ما نسألك وعزتك وجلالك، لو أنك قسمت بيننا أرزاق
الثَّقَلين لأطعمناهم وسقيناهم وكسوناهم، فيقول: سَلُوا، فيقولون: نسألك
رضاك، فيقول: رضائي أحلَّكم دار كرامتي، فيفعل ذلك بأهل كلّ درجة حتى
ينتهي، قال: ولو أن امرأة من الحُور العِين طلعت لأطفأ ضوء سِوَارَيْها
الشمس والقمر، فكيف بالمُسَوَّرة « . »
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا حرملة، عن سليمان بن حميد، قال:
سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال: إذ فرغ الله من أهل
الجنة وأهل النار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل
الجنة، فيردون عليه السلام، قال القُرظي: وهذا في كتاب الله ( سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ )
؟ فيقول: سَلُوني، فيقولون: ماذا نسألك، أي رَبّ؟ قال: بل سلوني قالوا:
نسألك أي ربّ رضاك، قال: رضائي أحلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب وما الذي
نسألك! فوعزتك وجلالك، وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين
لأطعمناهم، ولأسقيناهم، ولألبسناهم ولأخدمناهم، لا يُنقصنا ذلك شيئا، قال:
إن لدي مزيدا، قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه، قال:
ثم تأتيهم التحف من الله تحملها إليهم الملائكة. ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عبد الرحمن، قال: ثنا حرملة، قال: ثنا
سليمان بن حميد، أنه سمع محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز، قال:
إذا فرغ الله من أهل الجنة وأهل النار، أقبل يمشي في ظُلل من الغمام ويقف،
قال: ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: فيقولون: فماذا نسألك يا رب، فوعزتك
وجلالك وارتفاع مكانك، لو أنك قسمت علينا أرزاق الثقلين، الجن والإنس،
لأطعمناهم، ولسقيناهم، ولأخدمناهم، من غير أن ينتقص ذلك شيئًا مما عندنا،
قال: بلى فسلوفي، قالوا: نسألك رضاك، قال: رضائي أحلَّكم دار كرامتي، فيفعل
هذا بأهل كلّ درجة، حتى ينتهي إلى مجلسه. وسائر الحديث مثله « . فهذا القول الذي قاله محمد بن كعب، ينبىء عن أنَّ » سلام « بيان عن قوله ( مَا يَدَّعُونَ ) ، وأن القول خارج من السلام. وقوله ( مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) يعني: رحيم بهم إذ لم يعاقبهم بما سلف لهم من جُرْم في الدنيا. »


#################


القول في تأويل قوله تعالى : وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ( 59 ) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 60 ) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 61 )
يعني بقوله ( وَامْتَازُوا ) : تَميزوا؛ وهي افتعلوا، من ماز يميز، فعل يفعل منه: امتاز يمتاز امتيازا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
# عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أمَرَ اللهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْها عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ) .. الآية، إلى قوله هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ) فيَتَمَيَّزُ النَّاسُ ويَجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللهِ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ ... الآية » .
فتأويل الكلام إذن: وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله، فإنكم واردون غير موردهم، داخلون غير مدخلهم.
وقول ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )
وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه منه، وهو: ثم يقال: ألم أعهد
إليكم يا بني آدم، يقول: ألم أوصكم وآمركم في الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان
فتطيعوه في معصية الله ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )
يقول: وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدو مبين، قد أبان لكم عداوته بامتناعه
من السجود، لأبيكم آدم، حسدًا منه له، على ما كان الله أعطاه من الكرامة،
وغُروره إياه، حتى أخرجه وزوجته من الجنة.


##################
وقوله ( وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
يقول: وألم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد،
وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين
الصحيح، والطريق المستقيم.


###############

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ( 62 ) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ( 63 ) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ( 64 )
يعني تعالى ذكره بقوله ( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا ) : ولقد صد الشيطان منكم خلقًا كثيرا عن طاعتي، وإفرادي بالألوهة حتى عبدوه، واتخذوا من دوني آلهة يعبدونها.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا ) قال: خلقا .


################
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين ( جِبِلا ) بكسر الجيم وتشديد اللام، وكان بعض المكِّيين وعامة قراء الكوفة يقرءونه ( جُبُلا ) بضم الجيم والباء وتخفيف اللام. وكان بعض قراء البصرة يقرؤه: ( جُبْلا )
بضم الجيم وتسكين الباء، وكل هذه لغات معروفات، غير أني لا أحب القراءة في
ذلك إلا بإحدى القراءتين اللتين إحداهما بكسر الجيم وتشديد اللام،
والأخرى: ضم الجيم والباء وتخفيف اللام، لأن ذلك هو القراءة التي عليها
عامة قراء الأمصار.


###############
وقوله ( أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) يقول:
أفلم تكونوا تعقلون أيها المشركون، إذ أطعتم الشيطان في عبادة غير الله،
أنه لا ينبغي لكم أن تطيعوا عدوكم وعدو الله، وتعبدوا غير الله. وقوله ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )
يقول: هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله، وتكذيبكم
رسله، فكنتم بها تكذبون. وقيل: إن جهنم أول باب من أبواب النار. وقوله ( اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) يقول: احترقُوا بها اليوم ورِدُوها؛ يعني باليوم: يوم القيامة ( بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) : يقول: بما كنتم تَجْحدونها في الدنيا، وتكذبون بها.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 65 )
يعني تعالى ذكره بقوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ) : اليوم نطبع على أفواه المشركين، وذلك يوم القيامة ( وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ ) بما عملوا في الدنيا من معاصي الله ( وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ) قيل: إن الذي ينطق من أرجلهم: أفخاذهم من الرجل اليُسرى ( بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) في الدنيا من الآثام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا يونس بن عبيد، عن
حميد بن هلال، قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: يدعى المؤمن للحساب يوم
القيامة، فيعرض عليه ربُّه عمله فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول: نعم أي رب
عملت عملت عملت، قال: فيغفر الله له ذنوبه، ويستره منها، فما على الأرض
خليقة ترى من تلك الذنوب شيئًا، وتبدو حسناته، فود أن الناس كلهم يرونها؛
ويدعى الكافر والمنافق للحساب، فيعرض عليه ربه عمله فيجحده، ويقول أي: رب،
وعزتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل، فيقول له الملك: أما عملت كذا في
يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزتك أي رب، ما عملته، فإذا فعل ذلك ختم
على فيه. قال الأشعري: فإني أحسب أول ما ينطق منه لفخذه اليمنى، ثم تلا ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) .
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنى يحيى، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن
الشعبي، قال: يقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: ما عملت،
فيختم على فيه، وتنطق جوارحه، فيقول لجوارحه: أبعدكن الله، ما خاصمت إلا
فيكن .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ) .... الآية، قال: قد كانت خصومات وكلام، فكان هذا آخره، ( نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ) .

#عن عقبة بن عامر، أنه سمع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: « أوَّلُ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ مِنَ الإنْسانِ، يَوْمَ يَخْتِمُ اللهُ على الأفْوَاهِ، فَخِذُهُ مِنْ رِجْلِهِ اليُسْرَى » .

#######################

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ( 66 ) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ ( 67 )
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ ) فقال بعضهم: معنى ذلك: ولو نشاء لأعميناهم عن الهدى، وأضللناهم عن قصد المَحَجَّة.
# عن الحسن، في قوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) قال: لو يشاء لطمس على أعينهم فتركهم عميًا يترددون .
#عن قتادة، قوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ )
يقول: لو شئنا لتركناهم عميا يترددون . وهذا القول الذي ذكرناه عن الحسن
وقتادة أشبه بتأويل الكلام، لأن الله إنما تهدد به قومًا كفارا، فلا وجه
لأن يقال: وهم كفار، لو نشاء لأضللناهم وقد أضلهم، ولكنه قال: لو نشاء
لعاقبناهم على كفرهم، فطمسنا على أعينهم فصيرناهم عميا لا يبصرون طريقا،
ولا يهتدون له؛ والطَّمْس على العين: هو أن لا يكون بين جفني العين غرٌّ،
وذلك هو الشق الذي بين الجفنين كما تطمس الريح الأثر، يقال: أعمى مطموس
وطميس.


##################
وقوله ( فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ ) يقول: فابتدروا الطريق.

##############


وقوله ( فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) يقول: فأي وجه يبصرون أن يسلكوه من الطرق، وقد طمسنا على أعينهم.
وقال الذين وجهوا تأويل قوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ ) إلى أنه معني به العمى عن الهدى، تأويل قوله ( فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ) : فأنى يهتدون للحق .

################
وقوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: ولو نشاء لأقعدنا هؤلاء المشركين من أرجلهم في منازلهم ( فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ ) يقول: فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم، ولا أن يرجعوا وراءهم.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو نشاء لأهلكناهم في منازلهم .

######################

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ( 68 ) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ( 69 ) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 70 )
يقول تعالى ذكره ( وَمَنْ نُعَمِّرْهُ ) فنمُد له في العمر ( نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ) نرده إلى مثل حاله في الصبا من الهرم والكبر، وذلك هو النكس في الخلق، فيصير لا يعلم شيئا بعد العلم الذي كان يعلمه.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

####################
واختلفت القراء في قراءة قوله ( نُنَكِّسْهُ ) فقرأه عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: ( نَنْكِسْهُ ) بفتح النون الأولى وتسكين الثانية، وقرأته عامة قراء الكوفة ( نُنَكِّسْهُ ) بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الكاف.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما
قرأ القارئ فمصيب، غير أن التي عليها عامة قراء الكوفيين أعجبُ إليّ، لأن
التنكيس من الله في الخلق إنما هو حال بعد حال، وشيء بعد شيء، فذلك تأييد
للتشديد.
وكذلك اختلفوا في قراءة قوله ( أَفَلا يَعْقِلُونَ ) فقرأته قراء المدينة ( أفَلا تَعْقِلُونَ )
بالتاء على وجه الخطاب. وقرأته قراء الكوفة بالياء على الخبر، وقراءة ذلك
بالياء أشبه بظاهر التنـزيل، لأنه احتجاج من الله على المشركين الذين قال
فيهم وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فإخراج ذلك خبرا على
نحو ما خرج قوله لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ أعجب إلي، وإن كان الآخر
غير مدفوع.
ويعني تعالى ذكره بقوله ( أَفَلا يَعْقِلُونَ ) :
أفلا يعقل هؤلاء المشركون قُدْرة الله على ما يشاء بمعاينتهم ما يعاينون
من تصريفه خلقه فيما شاء وأحب من صغر إلى كبر، ومن تنكيس بعد كبر في هرم.


##############
وقوله ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ) يقول تعالى ذكره: وما علَّمنا محمدا الشعر، وما ينبغي له أن يكون شاعرا.

#عن قتادة، قوله ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ )
قال: قيل لعائشة: هل كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتمثل
بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه كان يتمثَّل ببيت أخي
بني قيس، فيجعل آخره أوله، وأوله آخره، فقال له أبو بكر: إنه ليس هكذا،
فقال نبي الله: « إني وَاللهِ ما أنا بِشاعِرٍ، وَلا يَنْبَغِي لي » .
###################


وقوله ( إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ ) يقول تعالى ذكره: ما هو إلا ذكر، يعني بقوله ) إنْ هُوَ ) أي: محمد إلا ذكر لكم أيها الناس، ذكركم الله بإرساله إياه إليكم، ونبهكم به على حظكم ( وَقُرْآنٍ مُبِينٍ )
يقول: وهذا الذي جاءكم به محمد قرآن مبين، يقول: يَبِين لمن تدبَّره بعقل
ولب، أنه تنـزيل من الله أنـزله إلى محمد، وأنه ليس بشعر ولا مع كاهن.
#####################

وقوله ( لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ) يقول: إن محمد إلا ذكر لكم لينذر منكم أيها الناس من كان حي القلب، يعقل ما يقال له، ويفهم ما يُبين له، غير ميت الفؤاد بليد.

###.
قوله ( وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) يقول: ويحق العذاب على أهل الكفر بالله، المولِّين عن اتباعه، المعرضين عما أتاهم به من عند الله.

############
القول في تأويل قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ( 71 ) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ( 72 )
يقول تعالى ذكره ( أَوَلَمْ يَرَوْا ) هؤلاء المشركون بالله الآلهة والأوثان ( أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ) يقول: مما خلقنا من الخلق ( أَنْعَامًا ) وهي المواشي التي خلقها الله لبني آدم، فسخَّرها لهم من الإبل والبقر والغنم ( فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ) يقول: فهم لها مصرِّفون كيف شاءوا بالقهر منهم لها والضبط.

#############
وقوله ( وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ ) يقول: وذللنا لهم هذه الأنعام ( فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ) يقول: فمنها ما يركبون كالإبل يسافرون عليها؛ يقال: هذه دابة ركوب، والرُّكوب بالضم: هو الفعل ( وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ) لحومها.

################

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ ( 73 ) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ( 74 )
يقول تعالى ذكره: ولهم في هذه الأنعام منافع، وذلك منافع في أصوافها
وأوبارها وأشعارها باتخاذهم من ذلك أثاثًا ومتاعًا، ومن جلودها أكنانا،
ومشارب يشربون ألبانها.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ) يلبسون أصوافها ( وَمَشَارِبُ ) يشربون ألبانها .
وقوله ( أَفَلا يَشْكُرُونَ ) يقول: أفلا يشكرون نعمتي هذه، وإحساني إليهم بطاعتي، وإفراد الألوهية والعبادة، وترك طاعة الشيطان وعبادة الأصنام.
قوله ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً ) يقول: واتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة يعبدونها ( لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ) يقول: طمعا أن تنصرهم تلك الآلهة من عقاب الله وعذابه.


#############

القول في تأويل قوله تعالى : لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ( 75 ) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ( 76 )
يقول تعالى ذكره: لا تستطيع هذه الآلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا، ولا تدفع عنهم ضرا.
وقوله ( وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) يقول: وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضَرون.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( مُحْضَرُونَ ) وأين حضورهم إياهم، فقال بعضهم: عني بذلك: وهم لهم جند محضرون عند الحساب.
.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهم لهم جند محضَرون في الدنيا يغضبون لهم.
#عن قتادة ( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ ) الآلهة ( وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا، وهي لا تسوق إليهم خيرا، ولا تدفع عنهم سوءا، إنما هي أصنام .
وهذا الذي قاله قتادة أولى القولين عندنا بالصواب في تأويل ذلك، لأن
المشركين عند الحساب تتبرأ منهم الأصنام، وما كانوا يعبدونه، فكيف يكونون
لها جندا حينئذ، ولكنهم في الدنيا لهم جند يغضبون لهم، ويقاتلون دونهم.

##############
وقوله تعالى ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : فلا يحْزُنْك
يا محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك: إنك شاعر، وما جئتنا به شعر،
ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك.

###################
وقوله ( إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )
يقول تعالى ذكره: إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قيل ذلك الحسد، وهم يعلمون
أن الذي جئتهم به ليس بشعر، ولا يشبه الشعر، وأنك لست بكذاب، فنعلم ما
يسرون من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه، وما يعلنون من جحودهم ذلك
بألسنتهم علانية.

##############

القول في تأويل قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ( 77 ) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ( 78 ) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ( 79 )
يقول تعالى ذكره ( أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ ) واخُتلف في الإنسان الذي عُني بقوله ( أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ ) فقال بعضهم: عُني به أُبي بن خلف.

# عن قتادة، قوله ( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ )
: ذُكر لنا أن أُبيَّ بن خلف، أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم بعظم حائل، ففتَّه، ثم ذراه في الريح، ثم قال: يا محمد من يحيي
هذا وهو رميم؟ قال: « والله يحييه، ثم يميته، ثم يُدخلك النار ؛ قال: فقتله رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم أُحد . »
وقال آخرون: بل عني به: العاص بن وائل السَّهمي.
# عن سعيد بن جبير، قال: جاء العاص بن
وائل السهمي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعظْم حائل،
ففته بين يديه، فقال: يا محمد أيبعث الله هذا حيا بعد ما أرم؟ قال: نَعَمْ
يَبْعَثُ اللهُ هَذَا، ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْييكَ، ثُمَّ يُدْخِلُك
نَار جَهَنَّم « قال: ونـزلت الآيات ( أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ) .. » وإلى آخر الآية .
وقال آخرون: بل عُنِي به: عبد الله بن أُبي.
#

عن ابن عباس ( أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ ) .. إلى قوله ( وَهِيَ رَمِيمٌ )
قال: جاء عبد الله بن أبي إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعظْم
حائل فكسره بيده، ثم قال: يا محمد كيف يبعث الله هذا وهو رميم؟ فقال رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : يَبْعَثُ اللهُ هَذَا، ويُمِيتُكَ
ثُمَّ يُدْخِلُكَ جَهَنَّمَ ، فقال الله ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) .


##
فتأويل الكلام إذن: أو لم ير هذا الإنسان الذي يقول ( مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) أنا خلقناه من نطفة فسويناه خلقا سَوِيًّا ( فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ )
يقول: فإذا هو ذو خصومة لربه، يخاصمه فيما قال له ربه إني فاعل، وذلك
إخبار لله إياه أنه مُحْيي خلقه بعد مماتهم، فيقول: مَنْ يحيي هذه العظام
وهي رميم؟ إنكارا منه لقُدرة الله على إحيائها.


###################
وقوله ( مُبِينٌ ) يقول: يبين لمن سمع خُصومته وقيله ذلك أنه مخاصم ربه الذي خلقه. وقوله ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ) يقول: ومثَّل لنا شبها بقوله ( مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) إذ كان لا يقدر على إحياء ذلك أحد، يقول: فجعلنا كمن لا يقدر على إحياء ذلك من الخلق ( وَنَسِيَ خَلْقَهُ )
يقول: ونسي خَلْقَنا إياه كيف خلقناه، وأنه لم يكن إلا نطفة، فجعلناها
خلقا سَوِيًّا ناطقا، يقول: فلم يفكر في خلقناه، فيعلم أن من خلقه من نطفة
حتى صار بشرا سويا ناطقا متصرفا، لا يعْجِز أن يعيد الأموات أحياء، والعظام
الرَّميم بشَرا كهيئتهم التي كانوا بها قبل الفناء ، يقول الله لنبيه محمد
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( قُلْ ) لهذا المشرك القائل لك: من يُحيي العظام وهي رميم ( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) يقول: يحييها الذي ابتدع خلْقها أول مرة ولم تكن شيئا ( وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) يقول: وهو بجميع خلقه ذو علم كيف يميت، وكيف يحيي، وكيف يبدىء، وكيف يعيد، لا يخفي عليه شيء من أمر خلقه.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ( 80 )
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ
يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ( 81 )

يقول تعالى ذكره: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا )
يقول: الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا تُحْرق الشجر، لا يمتنع عليه
فعل ما أراد، ولا يعجز عن إحياء العظام التي قد رَمَّت، وإعادتها بشَرا
سويا، وخلقا جديدا، كما بدأها أول مرة.

#################
قوله ( فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) يقول: فإذا أنتم من هذا الشجر توقدون النار؛ وقال ( مِنْهُ )
والهاء من ذكر الشجر، ولم يقل: منها، والشجر جمع شجرة، لأنه خرج مخرج
الثمر والحصَى، ولو قيل: منها كان صوابا أيضًا، لأن العرب تذكِّر مثل هذا
وتؤنِّثه.


##############
( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) يقول تعالى ذكره منبها هذا الكافر الذي قال مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ على خطأ قوله، وعظيم جهله ( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ) السبع ( وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ )
مثلكم، فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السَّمَواتِ
والأرض. يقول: فمن لم يتعذر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم، فكيف يتعذر عليه
إحياء العظام بعد ما قد رمَّت وبلِيَت؟ وقوله ( بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ) يقول: بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء، الفعَّال لما يريد، العليم بكل ما خلق ويخلق ، لا يخفي عليه خافية.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 82 ) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 83 )
يقول تعالى ذكره ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن
قتادة أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ قال: هذا مثل
إنما أمر. إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، قال: ليس من كلام العرب شيء
هو أخف من ذلك، ولا أهون، فأمر الله كذلك .
وقوله ( فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ) يقول تعالى ذكره: فتنـزيه الذي بيده ملك كل شيء وخزائنه. وقوله ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: وإليه تردون وتصيرون بعد مماتكم.

####################
آخر تفسير سورة يس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:12 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

تفسير سورة الصافات
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الرحيم

***********************************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ( 1 ) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ( 2 ) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ( 3 )

قال أبو جعفر:
أقسم الله تعالى ذكره بالصافات، والزاجرات، والتاليات ذكرا;
فأما الصافات: فإنها الملائكة الصافات لربها في السماء وهي جمع صافَّة،
فالصافات: جَمْعُ جَمْعٍ، حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن
قتادة ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ) قال: قسم أقسم الله بخلق، ثم خلق، ثم خلق، والصافات: الملائكة صُفوفا في السماء.


******************************
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( فالزاجرات زجرا )

فقال بعضهم: هي الملائكة تزجُر السحاب تسوقه.

.
وقال آخرون: بل ذلك آي القرآن التي زجر الله بها عما زَجر بها عنه في القرآن.

**************************

والذي هو أولى بتأويل الآية عندنا ما
قال مجاهد، ومن قال هم الملائكة، لأن الله تعالى ذكره، ابتدأ القسم بنوع من
الملائكة، وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسما
بسائر أصنافهم أشبه.

**************************

وقوله ( فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ) يقول: فالقارئات كتابا.
واختلف أهل التأويل في المعني بذلك،
فقال بعضهم: هم الملائكة.
.
وقال آخرون: هو ما يُتلى في القرآن من أخبار الأمم قبلنا.
***************************



القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ( 4 ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( 5 ) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ( 6 ) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ( 7 ) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( 8 ) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ( 9 ) إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ( 10 )

يعني تعالى ذكره بقوله: ( إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ )
والصافات صفا إن معبودكم الذي يستوجب عليكم أيها الناس العبادة، وإخلاص
الطاعة منكم له لواحد لا ثاني له ولا شريك. يقول: فأخلصوا العبادة وإياه
فأفردوا بالطاعة، ولا تجعلوا له في عبادتكم إياه شريكا.

************************

وقوله ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا )
يقول: هو واحد خالق السموات السبع وما بينهما من الخلق، ومالك ذلك كله،
والقيِّم على جميع ذلك، يقول: فالعبادة لا تصلح إلا لمن هذه صفته، فلا
تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه في عبادتكم إياه من لا يضر ولا ينفع، ولا يخلق
شيئا ولا يُفْنيه.

****************************

واختلف أهل العربية في وجه رفع رب السموات، فقال بعض نحويي البصرة، رُفع على معنى: إن إلهكم لرب. وقال غيره: هو رَد على « إن إلهكم لواحد » ثم فَسَّر الواحد، فقال: رب السموات، وهو رد على واحد. وهذا القول عندي أشبه بالصواب في ذلك، لأن الخبر هو قوله ( لَوَاحِدٌ ) ، وقوله ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ ) ترجمة عنه، وبيان مردود على إعرابه.
***************************

وقوله ( وَرَبُّ الْمَشَارِقِ )
يقول: ومدبر مشارق الشمس في الشتاء والصيف ومغاربها، والقيِّم على ذلك
ومصلحه، وترك ذكر المغارب لدلالة الكلام عليه، واستغني بذكر المشارق من
ذكرها، إذ كان معلوما أن معها المغارب.


*****************

وقوله ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) اختلفت القراء في قراءة قوله ( بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة بزينة الكواكب بإضافة الزينة إلى الكواكب، وخفض الكواكب ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ) التي تليكم أيها الناس وهي الدنيا إليكم بتزيينها الكواكب: أي بأن زينتها الكواكب. وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة ( بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) بتنوين زينة، وخفض الكواكب ردا لها على الزينة، بمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بزينة هي الكواكب، كأنه قال: زيناها بالكواكب.
ورُوِي عن بعض قراء الكوفة أنه كان ينون الزِّينة وينصب
الكواكبَ، بمعنى: إنا زينا السماء الدنيا بتزييننا الكواكبَ. ولو كانت
القراءة في الكواكب جاءت رفعا إذ نونت الزينة، لم يكن لحنا، وكان صوابا في
العربية، وكان معناه: إنا زينا السماء الدنيا بتزيينها الكواكب: أي بأن
زينتها الكواكب وذلك أن الزينة مصدر، فجائز توجيهها إلى أيِّ هذه الوجوه
التي وُصِفت في العربية.

وأما القراءة فأعجبها إلي بإضافة الزينة إلى الكواكب وخفض
الكواكب لصحة معنى ذلك في التأول والعربية، وأنها قراءة أكثر قراء الأمصار
وإن كان التنوين في الزينة وخفض الكواكب عندي صحيحا أيضا.


فأما النصب في الكواكب والرفع، فلا
أستجيز القراءة بهما، لإجماع الحجة من القراء على خلافهما، وإن كان لهما في
الإعراب والمعنى وجه صحيح.

*********************

وقد اختلف أهل العربية في تأويل ذلك
إذا أضيفت الزينة إلى الكواكب، فكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا قرئ ذلك
كذلك فليس يعني بعضَها، ولكن زينتها حسنها، وكان غيره يقول: معنى ذلك: إذا
قرئ كذلك: إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب.

وقد بيَّنا الصواب في ذلك عندنا.

************************
وقوله ( وَحِفْظا ) يقول تعالى ذكره: ( وحفظا ) للسماء الدنيا زيناها بزينة الكواكب.
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب قوله ( وحِفْظا )
فقال بعض نحويي البصرة: قال وحفظا، لأنه بدل من اللفظ بالفعل، كأنه قال:
وحفظناها حفظا. وقال بعض نحويي الكوفة: إنما هو من صلة التزيين أنا زينا
السماء الدنيا حفظا لها، فأدخل الواو على التكرير: أي وزيناها حفظا لها،
فجعله من التزيين، وقد بيّنا القول فيه عندنا. وتأويل الكلام: وحفظا لها من
كل شيطان عات خبيث زيناها.



***********************

وقوله ( لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى ) اختلفت القراء في قراءة قوله ( لا يَسَّمَّعُونَ ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض الكوفيين: ( لا يَسْمَعُونَ )
بتخفيف السين من يسمعون، بمعنى أنهم يتسمَّعون ولا يسمعون. وقرأ ذلك عامة
قراء الكوفيين بعد لا يسمعون بمعنى: لا يتسمعون، ثم أدغموا التاء في السين
فشددوها.


وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب
قراءة من قرأه بالتخفيف، لأن الأخبار الواردة عن رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم وعن أصحابه، أن الشياطين قد تتسمع الوحي، ولكنها ترمى
بالشهب لئلا تسمع.


# عن ابن عباس، قال: حدثني رهط من الأنصار، قالوا: « بينا نحن جلوس ذات ليلة مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، إذ رأى كوكبا رُمي به، فقال: » ما تقولون في هذا الكوكب الذي يرمي به؟ « فقلنا: يولد مولود، أو يهلك هالك، ويموت ملك ويملك ملك، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : »
لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ كان إذا قَضَى أمْرًا فِي السَّمَاءِ
سَبَّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيُسَبِّحُ لِتَسْبِيحِهِمْ مَنْ
يَلِيهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ
حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ
أهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ مِمَّ
سَبَّحْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا نَدْرِي: سَمِعْنَا مَنْ فَوْقَنَا مِنَ
الْمَلائِكَةِ سَبَّحُوا فَسَبَّحْنَا اللهَ لِتَسْبِيحِهِمْ وَلَكِنَّا
سَنَسْأَلُ، فَيَسْأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حتى
يَنْتَهِيَ إلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ، فَيَقُولُوَن: قَضَى اللهُ كَذَا
وَكَذَا، فَيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَلِيهِمْ حتى يَنْتَهُوا إلى السَّمَاءِ
الدُّنْيا، فَتَسْتَرِقُ الجِنُّ مَا يَقُولُونَ، فَيَنـزلُونَ إلى
أوْلِيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ فَيُلْقُونَهُ على ألْسِنَتِهِمْ بِتَوَهُّمٍ
مِنْهُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ حَقًّا وبَعْضُهُ
كَذِبًا، فَلَمْ تَزَلِ الجِنّ كذلكَ حتى رُمُوا بِهذهِ الشُّهُبِ « »


#عن ابن عباس، قال بينما النبي صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في نفر من الأنصار، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال
النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :ما كُنتم تقولون لِمثلِ هذا في
الجاهليةِ إذا رأيتموهُ؟ قالوا: كنا نقول: يموت عظيم أو يولد عظيم، قال
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :فإنهُ لا
يرمى به لموتِ أحد ولا لحياتهِ، ولكنَّ ربنا تباركَ اسمهُ إذا قضَى أمرًا
سبحَ حملةُ العرشِ، ثمَّ سبحَ أهلُ السماءِ الذينَ يلونهمْ، ثمَّ الذينَ
يلونهمْ حتى يبلغَ التسبيحُ أهلَ هذه السماءِ ثمَّ يسألُ أهلُ السماءِ
السابعة حملة العرش: ماذا قال ربنا؟ فيخبرونهم، ثم يستخبر أهلُ كل سماء،
حتى يبلع الخبر أهل السماءِ الدنيا، وتخطُف الشياطين السمع، فيرمونَ،
فيقذفونهُ إلى أوليائهمْ، فما جاءُوا به على وجههِ فهوَ حق، ولكنهمْ
يزيدونَ
« . »




# عن عروة، عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «
إنَّ الملائكةَ تنـزلُ في العنانِ- وهوَ السحابُ- فتذكرُ ما قضيَ في
السماءِ، فتسترقُ الشياطينُ السمعَ، فتسمعهُ فتوحيهِ إلى الكهانِ، فيكذبونَ
معها مئةَ كذبةٍ من عند أنفسهمْ . »


فهذه الأخبار تُنبئ عن أن الشياطين تسمع، ولكنها تُرْمى بالشهب لئلا تسمع.
فإن ظن ظان أنه لما كان في الكلام « إلى »
، كان التسمع أولى بالكلام من السمع، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك
أن العرب تقول: سمعت فلانا يقول كذا، وسمعت إلى فلان يقول كذا، وسمعت من
فلان.


وتأويل الكلام: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب. وحفظا من كل شيطان مارد أن لا يسمع إلى الملإ الأعلى، فحذفت « إن »
اكتفاء بدلالة الكلام عليها، كما قيل: كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ
الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ بمعنى: أن لا يؤمنوا به; ولو كان
مكان « لا » أن، لكان فصيحا، كما قيل:
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا بمعنى: أن لا تضلوا، وكما قال:
وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ بمعنى: أن لا تميد
بكم. والعرب قد تجزم مع « لا » في مثل هذا الموضع من الكلام، فتقول: ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعض بني عقيل:

وحــتى رأينـا أحسـن الـود بيننـا مُســاكنةً لا يقـرِف الشـرَّ قـارفُ
ويُروى: لا يقرف رفعا، والرفع لغة أهل الحجاز فيما قيل:
ويعني بقوله ( إلَى المَلإ ) : إلى جماعة الملائكة التي هم أعلى ممن هم دونهم.

************************************
وقوله ( وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا ) ويرمون من كل جانب من جوانب السماء دُحُورا
والدحور: مصدر من قولك: دَحَرْته أدْحَرُه دَحْرا ودُحورا،
والدَّحْر: الدفع والإبعاد، يقال منه: ادْحَرْ عنك الشيطان: أي ادفعه عنك
وأبعده.



***************************
وقوله ( وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ) يقول تعالى ذكره: ولهذه الشياطين المسترِقة السمع عذاب من الله واصب.
واختلف أهل التأويل في معنى الواصب،

فقال بعضهم: معناه: الموجع.


وقال آخرون: بل معناه: الدائم.

**************************

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل
من قال: معناه: دائم خالص، وذلك أن الله قال وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا
فمعلوم أنه لم يصفه بالإيلام والإيجاع، وإنما وصفه بالثبات والخلوص; ومنه
قول أبي الأسود الدؤلي:

لا أشــتري الحــمد القليـل بقـاؤه يؤمــا بـذم الدهـر أجـمع واصبـا

أي دائما.

**************************
وقوله ( إلا من خطف الخطفة ) يقول: إلا من استرق السمع منهم ( فأتبعه شهاب ثاقب ) يعني: مضيء متوقد.

***********************************************

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ( 11 ) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ( 12 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :
فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي يُنكرون البعث بعد الممات والنشور بعد
البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشد خلقا؟ يقول: أخلقُهم أشد أم خلق من عددنا
خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض؟

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: « أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا » ؟.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود « عَدَدْنَا »
يقول: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ
الْمَشَارِقِ يقول: أهم أشد خلقا، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض
أشد خلقا منهم.


**********************
وقوله ( إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ )
يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق. وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب
مخلوط بماء، وكذلك خَلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء; والتراب إذا
خُلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تُبدل أحيانًا هذه الباء ميما، فتقول:
طين لازم; ومنه قول النجاشي الحارثي:


بنـى اللـؤم بيتـا فاسـتقرت عمـاده عليكــم بنـي النجـار ضربـة لازم
ومن اللازب قول نابغة بني ذُبيان:
ولا يحسـبون الخـير لا شـرَّ بعـدهُ ولا يحســبون الشـر ضربـة لازب
وربما أبدلوا الزاي التي في اللازب تاء، فيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك في قَيس ، زعم الفرّاء أن أبا الجراح أنشده:
صــداعٌ وتـوصيمُ العظـامِ وفـترة وغثـي مـع الإشراق في الجوف لاتب
بمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَلْزُب، لزْبا ولُزوبا وكذلك من لاتب: لَتَبَ يَلْتُب لُتُوبا.

********************************

***************************

قوله ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) اختلفت القرّاء فى قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة: ( بلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ )
بضم التاء من عجبت، بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا، وتكذيبهم
تنـزيلي وهم يسخرون. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ( بَلْ عَجِبْتَ ) بفتح التاء بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف
معنييهما؟ قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب
محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجب ربنا من
عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركون بما قالوه.

فإن قال: أكان التنـزيل بإحداهما أو بكلتيهما؟ قيل:
التنـزيل بكلتيهما. فإن قال: وكيف يكون تنـزيل حرف مرتين ؟ قيل: إنه لم
ينـزل مرتين، إنما أنـزل مرة، ولكنه أمر صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن
يقرأ بالقراءتين كلتيهما، ولهذا مَوضع سنستقصي إن شاء الله فيه البيان عنه
بما فيه الكفاية.

**************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ( 13 ) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ( 14 )
يقول تعالى ذكره: وإذا ذُكِّر هؤلاء المشركون حُجَجَ الله عليهم ليعتبروا ويتفكروا، فينيبوا إلى طاعة الله ( لا يَذْكرُون ) : يقول: لا ينتفعون بالتذكير فيتذكروا.

******************
وقوله ( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ )
يقول: وإذا رأوا حُجَّة من حجج الله عليهم، ودلالة على نبوة نبيه محمد
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يستسخرون: يقول: يسخرون ويستهزءون.


**********************
.

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ( 15 ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( 16 ) أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ( 17 ) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ( 18 ) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ( 19 )
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قُرَيش بالله لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : ما هذا الذي جئتنا به إلا سحرٌ مبين.
يقول: يبين لمن تأمله ورآه أنه سحر ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) يقولون، منكرين بعث الله إياهم بعد بلائهم: أئنا لمبعوثون أحياء من قبورنا بعد مماتنا، ومصيرنا ترابا وعظاما، قد ذهب عنها اللحوم
( أوآباؤنا الأولون ) الذين مضوا من قبلنا، فبادوا وهلكوا.
يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل
لهؤلاء: نعم أنتم مبعوثون بعد مصيركم ترابا وعظاما أحياء كما كنتم قبل
مماتكم، وأنتم داخرون.


**************************

وقوله ( وأنتم داخرون ) يقول تعالى ذكره: وأنتم صاغرون أشد الصَّغَر; من قولهم: صاغر داخر.

****************************
.
وقوله ( فإنَّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ) يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور ( فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ) يقول: فإذا هم شاخصة أبصارهم ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة ويعاينونه.

*********************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ( 20 ) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( 21 )
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون المكذبون إذا زجرت زجرة واحدة، ونُفخ في الصور نفخة واحدة: ( يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ) يقولون: هذا يوم الجزاء والمحاسبة.
***********************


وقوله ( هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) يقول تعالى ذكره: هذا يوم فصل الله بين خلقه بالعدل من قضائه الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فتنكرونه.

*******************
القول في تأويل قوله تعالى : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ( 22 ) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ( 23 )
وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر عما ترك، وهو:
فيقال: احشروا الذين ظلموا، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا
وعصوه وأزواجهم وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كانوا
يعبدون من دون الله من الآلهة.

**********************

وقوله ( وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ ) يقول تعالى ذكره: احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، فوجهوهم إلى طريق الجحيم.

****************************
القول في تأويل قوله تعالى : وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ( 24 )
يقول تعالى ذكره: ( وَقِفُوهُمْ ) : احبسوهم: أي احبسوا أيها الملائكة هؤلاء المشركين الذين ظلموا أنفسهم وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون الله من الآلهة ( إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ) فاختلف أهل التأويل في المعنى الذي يأمر الله تعالى ذكره بوقفهم لمسألتهم عنه،

فقال بعضهم: يسألهم هل يعجبهم ورود النار.

وقال آخرون: بل ذلك للسؤال عن أعمالهم.

# عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: « أيمَا رَجُلٍ دَعَا رَجُلا إلى شَيْءٍ كَانَ مَوْقُوفًا لازِما بِهِ، لا يُغَادِرُهُ، وَلا يُفارِقُهُ » ثُمَّ قَرأ هَذِهِ الآيَةَ ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ )


وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقفوا هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وأزواجهم إنهم مسئولون عما كانوا يعبدون من دون الله .

*********************
القول في تأويل قوله تعالى : مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ( 25 ) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ( 26 ) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( 27 )

وقوله ( مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ) يقول: ما لكم أيها المشركون بالله لا ينصر بعضكم بعضا ( بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ) يقول: بل هم اليوم مستسلمون لأمر الله فيهم وقضائه، موقنون بعذابه. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ ) لا والله لا يتناصرون، ولا يدفع بعضهم عن بعض ( بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ) في عذاب الله.
################################

وقوله ( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) قيل: معنى ذلك: وأقبل الإنس على الجن، يتساءلون.


###################################

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ( 28 ) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( 29 ) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ ( 30 )
يقول تعالى ذكره: قالت الإنس للجن: إنكم أيها الجن كنتم
تأتوننا من قِبَل الدين والحق فتخدعوننا بأقوى الوجوه، واليمين: القوة
والقدرة في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:

إذَا مــا رَايــةٌ رُفِعــتْ لمَجْــدٍ تَلقَّاهــــا عَرَابـــةٌ بـــالْيَمِين
يعني: بالقوة والقدرة.

##########################
وقوله ( قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) يقول تعالى ذكره: قالت الجن للإنس مجيبة لهم: بل لم تكونوا بتوحيد الله مُقِرين، وكنتم للأصنام عابدين
( وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ) يقول: قالوا: وما كان لنا عليكم من حُجَّة، فنصدَّكم بها عن الإيمان، ونحول بينكم من أجلها وبين اتباع الحق ( بَلْ كُنْتُمْ قَوْما طَاغِينَ ) يقول: قالوا لهم: بل كنتم أيها المشركون قوما طاغين على الله، متعدين إلى ما ليس لكم التعدي إليه من معصية الله وخلاف أمره.

########################

القول في تأويل قوله تعالى : فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ( 31 ) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ( 32 ) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ( 33 ) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ( 34 )
يقول تعالى ذكره: فحق علينا قول ربنا، فوجب علينا عذاب
ربنا، إنا لذائقون العذاب نحن وأنتم بما قدمنا من ذنوبنا ومعصيتنا في
الدنيا; فهذا خبر من الله عن قيل الجن والإنس.


########################################

.
وقوله ( فأغْويْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ ) يقول: فأضللناكم عن سبيل الله والإيمان به إنا كنا ضالين; وهذا أيضا خبر من الله عن قيل الجن والإنس، قال الله ( فإنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العَذَابِ مُشْتَرِكُونَ )
يقول: فإن الإنس الذين كفروا بالله وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون
الله، والَّذين أَغْوَوا الإنس من الجن يوم القيامة في العذاب مشتركون
جميعا في النار، كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله.

#################

. ( إِنَّا كذلكَ نَفْعَلُ بالمُجْرِمِينَ )
يقول تعالى ذكره: إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي الله في الدنيا على
طاعته، والكفر به على الإيمان، فنذيقهم العذاب الأليم، ونجمع بينهم وبين
قرنائهم في النار.


##############################

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ( 35 ) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ( 36 ) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ( 37 )
يقول تعالى ذكره: وإن هؤلاء المشركين بالله الذين وصف صفتهم في هذه الآيات كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: قولوا ( لا إِلهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) يقول: يتعظَّمون عن قِيل ذلك ويتكبرون; وترك من الكلام قولوا، اكتفاء بدلالة الكلام عليه من ذكره.

##########################:

وقوله ( وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ )
يقول تعالى ذكره: ويقول هؤلاء المشركون من قريش،أنترك عبادة آلهتنا لشاعر
مجنون يقول: لاتباع شاعر مجنون، يعنون بذلك نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ونقول: لا إله إلا الله.


########################
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ ( 38 ) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 39 ) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 40 ) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ( 41 )
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من أهل مكة، القائلين لمحمد: شاعر مجنون ( إنَّكُمْ ) أيها المشركون ( لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيم ) الموجع في الآخرة ( وَمَا تُجْزَوْنَ ) يقول: وما تثابون في الآخرة إذا ذقتم العذاب الأليم فيها ( إلا ) ثواب ( مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) في الدنيا، معاصِيَ الله. وقوله ( إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ )
يقول: إلا عباد الله الذين أخلصهم يوم خلقهم لرحمته، وكتب لهم السعادة في
أم الكتاب، فإنهم لا يذوقون العذاب، لأنهم أهل طاعة الله، وأهل الإيمان به.

#####################


وقوله ( أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ) يقول: هؤلاء هم عباد الله المخلصون لهم رزق معلوم; وذلك الرزق المعلوم: هو الفواكه التي خلقها الله لهم في الجنة.
#####################
القول في تأويل قوله تعالى : فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ( 42 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 43 ) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ( 44 ) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ( 45 ) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ( 46 ) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ( 47 )
قوله ( فَوَاكِهُ ) ردا على الرزق المعلوم تفسيرا له، ولذلك رفعت وقوله ( وَهُمْ مُكْرَمُونَ ) يقول: وهم مع الذي لهم من الرزق المعلوم في الجنة، مكرمون بكرامة الله التي أكرمهم الله بها
( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) يعني: في بساتين النعيم
( عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) يعني: أن بعضهم يقابل بعضا، ولا ينظر بعضهم في قفا بعض. وقوله ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) يقول تعالى ذكره: يطوف الخدم عليهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة.
########################

وقوله ( بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ) يعني بالبيضاء: الكأس، ولتأنيث الكأس أنثت البيضاء، ولم يقل أبيض، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: صفراء.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، في قوله ( بَيْضَاءَ ) قال السدي: في قراءة عبد الله:صفراء

#######################
وقوله ( لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ) يقول: هذه الخمر لذة يلتذها شاربوها.

#####################
وقوله ( لا فِيهَا غَوْلٌ )
يقول: لا في هذه الخمر غول، وهو أن تغتال عقولهم: يقول: لا تذهب هذه الخمر
بعقول شاربيها كما تذهب بها خمور أهل الدنيا إذا شربوها فأكثروا منها، كما
قال الشاعر:

وَمــا زَالَــتِ الكــأْسُ تَغْتَالُنَــا وَتَـــــذْهَبُ بِــــالأوَّلِ الأوَّلِ
والعرب تقول: ليس فيها غيلة وغائلة وغَوْل بمعنى واحد; ورفع
غول ولم ينصب بلا لدخول حرف الصفة بينها وبين الغول، وكذلك تفعل العرب في
التبرِئة إذا حالت بين لا والاسم بحرف من حروف الصفات رفعوا الاسم ولم
ينصبوه ، وقد يحتمل قوله ( لا فِيهَا غَوْلٌ )
أن يكون معنيا به: ليس فيها ما يؤذيهم من مكروه، وذلك أن العرب تقول للرجل
يصاب بأمر مكروه، أو ينال بداهية عظيمة: غالَ فلانا غولٌ وقد اختلف أهل
التأويل في تأويل ذلك،


فقال بعضهم: معناه: ليس فيها صُداع.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليس فيها أذى فتشكَّى منه بطونهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( لا فِيهَا غَوْلٌ ) قال: هي الخمر ليس فيها وجع بطن.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى;
وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد قوله ( لا فِيهَا غَوْلٌ ) قال: وجع بطن.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( لا فِيهَا غَوْلٌ ) قال: الغول ما يوجع البطون، وشارب الخمر ههنا يشتكي بطنه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لا فِيهَا غَوْلٌ ) يقول: ليس فيها وجع بطن، ولا صُداع رأس.
##############
وقال آخرون: معنى ذلك: أنها لا تغول عقولهم.
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليس فيها أذًى ولا مكروه.

.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليس فيها إثم.

ولكل هذه الأقوال التي ذكرناها وجه، وذلك أن الغَوْل في
كلام العرب: هو ما غال الإنسان فذهب به، فكل من ناله أمر يكرهه ضربوا له
بذلك المثل، فقالوا: غالت فلانا غول، فالذاهب العقل من شرب الشراب،
والمشتكي البطن منه، والمصدع الرأس من ذلك، والذي ناله منه مكروه كلهم قد
غالته غُول.

فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره قد نفى عن شراب
الجنة أن يكون فيه غَوْل، فالذي هو أولى بصفته أن يقال فيه كما قال جل
ثناؤه ( لا فِيها غَوْلٌ ) فيعم بنفي كل معاني الغَوْل عنه، وأعم ذلك أن يقال: لا أذى فيها ولا مكروه على شاربيها في جسم ولا عقل، ولا غير ذلك.

#############################

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَلا هُمْ عَنْها يُنـزفُونَ ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة ( يُنـزفُونَ ) بفتح الزاي، بمعنى: ولا هم عن شربها تُنـزف عقولهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: ( وَلا هُمْ عَنْهَا يُنـزفُونَ ) بكسر الزاي، بمعنى: ولا هم عن شربها يَنْفَد شرابهم.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا
المعنى غير مختلفتيه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن أهل الجنة لا
ينفد شرابهم، ولا يُسكرهم شربهم إياه، فيُذْهب عقولهم.


#####################

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا تذهب عقولهم.

.
########################.

وهذا التأويل الذي ذكرناه عمَّن ذكرنا عنه لم تفصل لنا
رواته القراءة الذي هذا تأويلها، وقد يحتمل أن يكون ذلك تأويل قراءة من
قرأها ينـزفُونَ ويُنـزفُونَ كلتيهما، وذلك أن العرب تقول: قد نـزف الرجل
فهو منـزوف: إذا ذهب عقله من السكر، وأنـزف فهو مُنـزف، محكية عنهم اللغتان
كلتاهما في ذهاب العقل من السكر; وأما إذا فَنِيت خمر القوم فإني لم أسمع
فيه إلا أنـزفَ القوم بالألف، ومن الإنـزاف بمعنى: ذهاب العقل من السكر،
قول الأبَيْرد:

لَعَمْـرِي لَئِـنْ أنزفْتُمُـوا أوْ صَحَـوْتُمُ لَبِئْــسَ النَّــدَامَى كُـنْتُمُ آلَ أبجَـرا

#################################


القول في تأويل قوله تعالى : وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ( 48 ) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ( 49 ) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ( 50 )
يقول تعالى ذكره: وعند هؤلاء المخلصين من عباد الله في
الجنة قاصرات الطرف، وهن النساء اللواتي قصرن أطرافهن على بعولتهن، لا يردن
غيرهم، ولا يمددن أبصارهن إلى غيرهم.


###########################

وقوله ( عِينٌ ) يعني بالعين: النُّجْلَ العيون عِظامها، وهي جمع عيناء، والعيناء: المرأة الواسعة العين عظيمتها، وهي أحسن ما تكون من العيون.

# عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله: ( حُورٌ عِينٌ ) قال: « العِينُ: الضِّخَامُ العُيونِ; شُفْر الحُورَاء بمَنـزلَة جَناحِ النِّسْرِ » .
######################

وقوله ( كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ) اختلف أهل التأويل في الذي به شبهن من البيض بهذا القول،

فقال بعضهم: شبهن ببطن البيض في البياض، وهو الذي داخل القِشْر، وذلك أن ذلك لم يمسه شيء.
وقال آخرون: بل شبهن بالبيض الذي يحضنه الطائر، فهو إلى الصفرة، فشبه بياضهن في الصفرة بذلك.


وقال آخرون: بل عنى بالبيض في هذا الموضع: اللؤلؤ، وبه شبهن في بياضه وصفائه.

####################
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: شبهن في
بياضهن، وأنهن لم يمسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ببياض البيض الذي هو داخل
القشر، وذلك هو الجلدة المُلْبَسة المُح قبل أن تمسه يد أو شيء غيرها، وذلك
لا شك هو المكنون; فأما القشرة العليا فإن الطائر يمسها، والأيدي تباشرها،
والعش يلقاها. والعرب تقول لكل مصون مكنون ما كان ذلك الشيء لؤلؤا كان أو
بيضا أو متاعا، كما قال أبو دَهْبَل:

وَهْــيَ زَهْـرَاءُ مِثْـلُ لُؤْلُـؤةِ الغَـوَّا صِ مِــيزَتْ مِـنْ جَـوْهَرٍ مَكْنُـونِ
وتقول لكل شيء أضمرته الصدور: أكنته، فهو مُكَنٌّ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

# عن أم سلمة « قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله ( كأنهن بيض مكنون ) قال: » رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدَةِ الَّتِي رَأَيْتها فِي داخِلِ البَيْضَة التي تَلِي القِشْرِ وَهِيَ الغِرْقِئُ « »

# وقوله ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: فأقبل بعض أهل الجنة على بعض يتساءلون، يقول: يسأل بعضهم بعضا.

########################

القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ( 51 )
يقول تعالى ذكره: قال قائل من أهل الجنة إذ أقبل بعضهم على بعض يتساءلون: ( إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ ) فاختلف أهل التأويل في القرين الذي ذكر في هذا الموضع،
فقال بعضهم: كان ذلك القرين شيطانا، وهو الذي كان يقول له: ( أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ) بالبعث بعد الممات.
#######################################

وقال آخرون: ذلك القرين شريك كان له من بني آدم أو صاحب.
#####################################
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:13 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ( 52 ) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ( 53 )

# عن فُرات بن ثعلبة البهراني في قوله ( إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ )
قال: إن رجلين كانا شريكين، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار، وكان أحدهما
له حرفة، والآخر ليس له حرفة، فقال الذي له حرفة للآخر: ليس لك حرفة، ما
أُراني إلا مفارقك ومُقاسمك، فقاسمه وفارقه; ثم إن الرجل اشترى دارًا بألف
دينار كانت لملك قد مات فدعا صاحبه فأراه، فقال: كيف ترى هذه الدار
ابتعتُها بألف دينار؟ قال: ما أحسنها; فلما خرج قال: اللهم إن صاحبي هذا قد
ابتاع هذه الدار بألف دينار، وإني أسألك دارًا من دور الجنة، فتَصَدَّقَ
بألف دينار; ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه تزوج امرأة بألف دينار،
فدعاه وصنع له طعاما; فلما أتاه قال: إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار;
قال: ما أحسن هذا; فلما انصرف قال: يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار،
وإني أسألك امرأة من الحُور العين، فتصدق بألف دينار; ثم إنه مكث ما شاء
الله أن يمكث، ثم اشترى بستانين بألفي دينار، ثم دعاه فأراه، فقال: إني
ابتعت هذين البستانين، فقال: ما أحسن هذا; فلما خرج قال: يا رب إن صاحبي قد
اشترى بستانين بألفي دينار، وأنا أسألك بستانين من الجنة، فتصدقَ بألفي
دينار; ثم إن الملك أتاهما فتوفَّاهما; ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارًا
تعجبه، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تحتها من حُسنها، ثم أدخله بستانين، وشيئا
الله به عليم، فقال عند ذلك: ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا. قال:
فإنه ذاك، ولك هذا المنـزل والبستانان والمرأة. قال: فإنه كان لي صاحب
يقول: ( أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ) قيل
له: فإنه في الجحيم، قال: فهل أنتم مُطَّلِعون ؟ فاطَّلَعَ فرآه في سواء
الجحيم، فقال عند ذلك: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا
نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ . ...الآيات.

#####################

وهذا التأويل الذي تأوله فرات بن ثعلبة يقوي قراءة من قرأ « إنَّكَ لَمِنَ المُصَّدِّقِينَ »
بتشديد الصاد بمعنى: لمن المتصدقين، لأنه يذكر أن الله تعالى ذكره إنما
أعطاه ما أعطاه على الصدقة لا على التصديق، وقراءة قراء الأمصار على خلاف
ذلك، بل قراءتها بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى: إنكار قرينه عليه
التصديق أنه يبعث بعد الموت، كأنه قال: أتصدق بأنك تبعث بعد مماتك،
وتُجْزَى بعملك، وتحاسَب؟ يدل على ذلك قول الله: ( أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ) وهي القراءة الصحيحة عندنا التي لا يجوز خِلافُها لإجماع الحجة من القرّاء عليها.


###########################
وقوله ( أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ) يقول: أإنا لمحاسبون ومجزيُّون بعد مصيرنا عظاما ولحومنا ترابا.


###########################
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ( 54 ) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ( 55 ) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ( 56 ) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ( 57 )
يقول تعالى ذكره: قال هذا المؤمن الذي أدخل الجنة لأصحابه: ( هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ) في النار، لعلي أرى قريني الذي كان يقول لي: إنك لمن المُصَدِّقين بأنا مبعوثون بعد الممات.

##################################
وقوله ( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) يقول: فاطلع في النار فرآه في وسط الجحيم. وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فقالوا: نعم.

# عن السدي، قوله ( هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ) قال: كان ابن عباس يقرؤها: « هَلْ أنتُمْ مُطْلِعُونِى فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ » قال: في وسط الجحيم.
وهذه القراءة التي ذكرها السدي، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ في ( مُطَّلِعُونَ )
إن كانت محفوظة عنه، فإنها من شواذ الحروف، وذلك أن العرب لا تؤثر في
المكنى من الأسماء إذا اتصل بفاعل على الإضافة في جمع أو توحيد، لا يكادون
أن يقولوا أنت مُكَلِّمُني ولا أنتما مكلماني ولا أنتم مكلِّموني ولا
مكلِّمونني، وإنما يقولون أنت مكلِّمي، وأنتما مكلِّماي، وأنتم مكلمي; وإن
قال قائل منهم ذلك قاله على وجه الغلط توهما به: أنت تكلمني، وأنتما
تكلمانني، وأنتم تكلمونني، كما قال الشاعر:

وَمــا أدْرِي وَظَنِّــي كُــلَّ ظَـن أَمُسْــلِمُنِي إلــى قَـوْمي شَـرَاحِي?
فقال: مسلمني، وليس ذلك وجه الكلام، بل وجه الكلام أمسلمي;
فأما إذا كان الكلام ظاهرا ولم يكن متصلا بالفاعل، فإنهم ربما أضافوا،
وربما لم يضيفوا، فيقال: هذا مكلم أخاك، ومكلم أخيك، وهذان مكلما أخيك،
ومكلمان أخاك، وهؤلاء مكلمو أخيك، ومكلمون أخاك; وإنما تختار الإضافة في
المكنى المتصل بفاعل لمصير الحرفين باتصال أحدهما بصاحبه كالحرف الواحد.


########################

وقوله ( تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ) يقول: فلما رأى قرينه في النار قال: تالله إن كدت في الدنيا لتهلكني بصدك إياي عن الإيمان بالبعث والثواب والعقاب.

يقال منه: أردى فلان فلانا: إذا أهلكه، وردي فلان: إذا هلك، كما قال الأعشى.
أفِـي الطَّـوْفِ خِـفْتِ عـليّ الـرَّدَى وَكَــمْ مِــنْ رَدٍ أهْلَــهُ لَـمْ يَـرِمْ
يعني بقوله: « وكم من رَد » : وكم من هالك.

########################
وقوله ( وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) يقول: ولولا أن الله أنعم عليّ بهدايته، والتوفيق للإيمان بالبعث بعد الموت، لكنتُ من المحضَرِين معك في عذاب الله.

#######################

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ( 58 ) إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( 59 ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 60 ) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ( 61 )
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن الذي أعطاه الله ما أعطاه من كرامته في جنته سرورا منه بما أعطاه فيها ( أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى ) يقول: أفما نحن بميتين غير موتتنا الأولى في الدنيا، ( وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) يقول: وما نحن بمعذبين بعد دخولنا الجنة ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
يقول: إن هذا الذي أعطاناه الله من الكرامة في الجنة، أنا لا نعذب ولا
نموت لهو النَّجاء العظيم مما كنا في الدنيا نحذر من عقاب الله، وإدراك ما
كنا فيها، نؤمل بإيماننا، وطاعتنا ربنا.


###########################

وقوله ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ )
يقول تعالى ذكره: لمثل هذا الذي أعْطَيتُ هؤلاء المؤمنين من الكرامة في
الآخرة، فليعمل في الدنيا لأنفسهم العاملون، ليدركوا ما أدرك هؤلاء بطاعة
ربهم.


########################

القول في تأويل قوله تعالى : أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ( 62 ) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ( 63 ) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ( 64 ) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ( 65 ) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ( 66 )
يقول تعالى ذكره: أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين
وصفت صفتهم من كرامتي في الجنة، ورزقتهم فيها من النعيم خير، أو ما أعددت
لأهل النار من الزَّقُّوم. وعُنِي بالنـزل: الفضل، وفيه لغتان: نـزل ونـزل;
يقال للطعام الذي له ريع: هو طعام له نـزل ونـزل.

########################

وقوله ( أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ) ذكر أن الله تعالى لما أنـزل هذه الآية قال المشركون: كيف ينبت الشجر في النار، والنار تحرق الشجر؟ فقال الله: ( إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ) يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فقال ( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ )

######################

##########################
وقوله ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ) يقول تعالى ذكره: كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رءوس الشياطين في قبحها.
وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « إنَّهَا شَجَرَةٌ نَابِتَةُ فِي أصْلِ الجَحِيم. »

################
فإن قال قائل: وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برءوس
الشياطين في القبح، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رءوس الشياطين، وإنما يمثَّل
الشيء بالشيء تعريفا من المُمَثِّل له قُرب اشتباه الممثَّل أحدهما بصاحبه
مع معرفة المُمَثَّل له الشيئين كليهما، أو أحدهما، ومعلوم أن الذين خوطبوا
بهذه الآية من المشركين، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم، ولا برءوس
الشياطين، ولا كانوا رأوهما، ولا واحدا منهما؟.

قيل له: أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها، فقال لهم: ( شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ) فلم يتركهم في عَماء منها. وأما في تمثيله طلعها برءوس الشياطين، فأقول لكل منها وجه مفهوم: أحدها
أن يكون مثل ذلك برءوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين
بالآية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد
أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء، قال: كأنه شيطان، فذلك أحد الأقوال.


والثاني أن يكون مثل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا، وهي حية لها عرف فيما ذكر قبيح الوجه والمنظر، وإياه عنى الراجز بقوله
عَنْجَــرِدٌ تَحْــلِفُ حِــينَ أحْـلِفُ كمِثْــلِ شَــيْطَانِ الحَمـاطِ أعْـرَفُ
ويروى عُجَيِّزٌ.
والثالث: أن يكون مثل نبت معروف برءوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس ( فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ )
يقول تعالى ذكره: فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة،
لآكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزقوم، فمالئون من زقومها بطونهم.


###########################

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ( 67 ) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ ( 68 ) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ ( 69 ) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ( 70 )
يقول تعالى ذكره: ( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ )
ثم إن لهؤلاء المشركين على ما يأكلون من هذه الشجرة شجرة الزقوم شَوْبا،
وهو الخلط من قول العرب: شاب فلان طعامه فهو يشوبه شَوْبا وشيابا ( من حميم ) والحميم: الماء المحموم، وهو الذي أسخن فانتهى حره، وأصله مفعول صرف إلى فعيل.


########################

وقوله ( ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ ) يقول تعالى ذكره: ثم إن مآبهم ومصيرهم لإلى الجحيم.

.###########################
وقوله ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ )
يقول: إن هؤلاء المشركين الذين إذا قيل لهم: قولوا لا إله إلا الله
يستكبرون، وجدوا آباءهم ضلالا عن قصد السبيل، غير سالكين مَحَجَّة الحق.

( فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ) يقول: فهؤلاء يُسْرع بهم في طريقهم، ليقتفوا آثارهم وسنتهم; يقال منه: أهرع فلان: إذا سار سيرا حثيثا فيه شبه بالرعدة.

#####################

#############################
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ ( 71 ) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ( 72 ) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ( 73 ) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 74 )
يقول تعالى ذكره: ولقد ضل يا محمد عن قصد السبيل ومَحجة الحق قبل مشركي قومك من قريش أكثر الأمم الخالية من قبلهم
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ )
يقول: ولقد أرسلنا في الأمم التي خلت من قبل أمتك، ومن قبل قومك المكذبيك
منذرين تنذرهم بأسنا على كفرهم بنا، فكذبوهم ولم يقبلوا منهم نصائحهم،
فأحللنا بهم بأسنا وعقوبتنا ( فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ )
يقول: فتأمل وتبين كيف كان غِبُّ أمر الذين أنذرتهم أنبياؤنا، وإلام صار
أمرهم، وما الذي أعقبهم كفرهم بالله، ألم نهلكهم فنصيرهم للعباد عبرة ولمن
بعدهم عظة؟.


#######################
وقوله ( إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ )
يقول تعالى: فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين، إلا عباد الله الذين أخلصناهم
للإيمان بالله وبرسله; واستثنى عباد الله من المنذَرين، لأن معنى الكلام:
فانظر كيف أهلكنا المنذَرين إلا عباد الله المؤمنين، فلذلك حسن استثناؤهم
منهم.

.

########################

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ( 75 ) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( 76 )
يقول تعالى ذكره: لقد نادانا نوح بمسألته إيانا هلاك قومه،
فقال: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ
يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا ...إلى قوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى
الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا وقوله ( فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) يقول: فلنعم المجيبون كنا له إذ دعانا، فأجبنا له دعاءه، فأهلكنا قومه ( وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ) يعني: أهل نوح الذين ركبوا معه السفينة. وقد ذكرناهم فيما مضى، وبيَّنا اختلاف العلماء في عددهم .


###################################
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:13 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ( 77 )
وقوله ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ )
يقول: وجعلنا ذريّة نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد مَهْلِك قومه، وذلك أن
الناس كلهم من بعد مَهْلِك نوح إلى اليوم إنما هم ذرية نوح، فالعجم والعرب
أولاد سام بن نوح، والترك والصقالبة والخَزَر أولاد يافث بن نوح، والسودان
أولاد حام بن نوح، وبذلك جاءت الآثار، وقالت العلماء.


##########
القول في تأويل قوله تعالى : وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( 78 ) سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ( 79 ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 80 ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( 81 ) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ( 82 )
يعني تعالى ذكره بقوله ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ) وأبقينا عليه، يعني على نوح ذكرا جميلا وثناء حسنا في الآخرين، يعني: فيمن تأخَّر بعده من الناس يذكرونه به.

################.
وقوله ( سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ )
يقول: أمنة من الله لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء; وسلام مرفوع
بعلى. وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: معناه: وتركنا عليه في
الآخرين، ( سَلامٌ عَلَى نُوحٍ ) أي تركنا عليه
هذه الكلمة، كما تقول: قرأت من القرآن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ فتكون الجملة في معنى نصب، وترفعها باللام، كذلك سلام على
نوح ترفعه بعلى، وهو في تأويل نصب، قال: ولو كان: تركنا عليه سلاما، كان
صوابا.


#################
وقوله ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )
يقول تعالى ذكره: إنا كما فعلنا بنوح مجازاة له على طاعتنا وصبره على أذى
قومه في رضانا وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ وأبقينا عليه ثناء في الآخرين ( كَذَلِكَ نَجْزِي ) الذين يحسنون فيطيعوننا، وينتهون إلى أمرنا، ويصبرون على الأذى فينا. وقوله ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: إن نوحا من عبادنا الذين آمنوا بنا، فوحدونا، وأخلصوا لنا العبادة، وأفردونا بالألوهة.


#############
وقوله ( ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ ) يقول تعالى ذكره: ثم أغرقنا حين نجَّينا نوحا وأهله من الكرب العظيم من بقي من قومه.

######################
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ( 83 ) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( 84 ) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ( 85 ) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ( 86 )
يقول تعالى ذكره: وإن من أشياع نوح على منهاجه وملته والله لإبراهيمَ خليل الرحمن.
########################

وقد زعم بعض أهل العربية أن معنى ذلك: وإن من شيعة محمد
لإبراهيم، وقال: ذلك مثل قوله وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا
ذُرِّيَّتَهُمْ بمعنى: أنا حملنا ذرية من هم منه، فجعلها ذرية لهم، وقد
سبقتهم.


##################
وقوله ( إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: إذ جاء إبراهيم ربه بقلب سليم من الشرك، مخلص له التوحيد.
###########################

وقوله ( إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ) يقول حين قال: يعني إبراهيم لأبيه وقومه: أي شيء تعبدون.

#############
وقوله ( أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ) يقول: أكذبا معبودا غير الله تريدون.

################

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ( 87 ) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ( 88 ) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ( 89 ) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ( 90 ) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ( 91 ) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ( 92 )
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لأبيه وقومه: ( فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) ؟ يقول: فأي شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره.

##################
وقوله ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ )
ذكر أن قومه كانوا أهل تنجيم، فرأى نجما قد طلع، فعصب رأسه وقال: إني
مَطْعُون، وكان قومه يهربون من الطاعون، فأراد أن يتركوه في بيت آلهتهم،
ويخرجوا عنه، ليخالفهم إليها فيكسرها.


##################
وقوله ( إِنِّي سَقِيمٌ ) : أي طعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه، ليبلغ من أصنامهم الذي يريد.
واختلف في وجه قيل إبراهيم لقومه: ( إِنِّي سَقِيمٌ ) وهو صحيح، فروي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: « لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إلا ثَلاثَ كَذَبَاتٍ » .
# عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: « وَلَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلاثَ كَذَبَاتٍ ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ الله ، قوله ( إِنِّي سَقِيمٌ ) وقَوْلِهِ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ، وقَوْلِهِ فِي سارَة: هِي أُخْتِي » .

وقال آخرون: إن قوله ( إِنِّي سَقِيمٌ )
كلمة فيها مِعْراض، ومعناها أن كل من كان في عقبة الموت فهو سقيم، وإن لم
يكن به حين قالها سقم ظاهر، والخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بخلاف هذا القول، وقول رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هو الحقّ دون غيره. قوله ( فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ) يقول: فتولوا عن إبراهيم مدبرين عنه، خوفا من أن يعدِيَهُمْ السقم الذي ذكر أنه به.


##########################

وقوله ( فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ )
يقول تعالى ذكره: فمال إلى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا; وأرى أن أصل
ذلك من قولهم: راغ فلان عن فلان: إذا حاد عنه، فيكون معناه إذا كان كذلك:
فراغ عن قومه والخروج معهم إلى آلهتهم; كما قال عدي بن زيد:

حِــينَ لا يَنْفَــعُ الـرَّوَاغُ وَلا يَـنْ فَـــعُ إلا المُصَـــادِقُ النِّحْــرِيرُ
يعني بقوله « لا ينفع الرّوَاغ » : الحِياد. أما أهل التأويل فإنهم فسَّروه بمعنى فَمَال.

########################
وقوله ( فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ )
هذا خبر من الله عن قيل إبراهيم للآلهة; وفي الكلام محذوف استغني بدلالة
الكلام عليه من ذكره، وهو: فقرّب إليها الطعام فلم يرها تأكل، فقال لها: ( أَلا تَأْكُلُونَ ) فلما لم يرها تأكل قال لها: ما لكم لا تأكلون، فلم يرها تنطق، فقال لها: ( مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ) مستهزئا بها، وكذلك ذكر أنه فعل بها، وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما مضى قبلُ.


####################

القول في تأويل قوله تعالى : فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ( 93 ) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ( 94 ) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ( 95 ) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ( 96 )
يقول تعالى ذكره: فمال على آلهة قومه ضربا لها باليمين بفأس في يده يكسرهن.

#############
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى: فراغ عليهم ضربا
بالقوّة والقدرة، ويقول: اليمين في هذا الموضع: القوّة: وبعضهم كان يتأوّل
اليمين في هذا الموضع: الحلف، ويقول: جعل يضربهنّ باليمين التي حلف بها
بقوله وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا
مُدْبِرِينَ وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « فراغ عليهم صفقا باليمين » . ورُوي نحو ذلك عن الحسن.



#####################
وقوله ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة: ( فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ) بفتح الياء وتشديد الفاء من قولهم: زَفَّتِ النعامة، وذلك أوّل عدوها، وآخر مشيها; ومنه قول الفرزدق:
وَجَــاءَ قَـرِيعُ الشَّـوْلِ قَبْـلَ إِفَالِهَـا يَـزِفُّ وَجَـاءَتْ خَلْفَـهُ وَهِـيَ زُفَّفُ

######################
.
وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: « يُزِفُّونَ » بضم الياء وتشديد الفاء من أزف فهو يزف. وكان الفرّاء يزعم أنه لم يسمع في ذلك إلا زَفَفْت، ويقول: لعلّ قراءة من قرأه: « يُزِفُّونَ »
بضم الياء من قول العرب: أطْرَدْتُ الرجل: أي صيرته طريدا، وطردته: إذا
أنت خسئته إذا قلت: اذهب عنا; فيكون يزفون: أي جاءوا على هذه الهيئة
بمنـزلة المزفوفة على هذه الحالة، فتدخل الألف. كما تقول: أحمدت الرجل: إذا
أظهرت حمده، وهو محمد: إذا رأيت أمره إلى الحمد، ولم تنشر حمده; قال:
وأنشدني المفضَّل:

تَمَنَّــى حُـصَيْنٌ أنْ يَسُـودَ جِذَاعَـةُ فأَمْسَــى حُـصَيْنٌ قَـدْ أذَلَّ وَأَقْهَـرا
فقال: أقهر، وإنما هو قُهِر، ولكنه أراد صار إلى حال قهر. وقرأ ذلك بعضهم.
« يَزِفُونَ » بفتح الياء
وتخفيف الفاء من وَزَفَ يَزِفُ وذُكر عن الكسائي أنه لا يعرفها، وقال
الفرّاء: لا أعرفها إلا أن تكون لغة لم أسمعها. وذُكر عن مجاهد أنه كان
يقول: الوَزْف: النَّسَلان.


والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتح الياء
وتشديد الفاء، لأن ذلك هو الصحيح المعروف من كلام العرب، والذي عليه قراءة
الفصحاء من القرّاء.


################
وقد اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: معناه: فأقبل قوم إبراهيم إلى إبراهيم يَجْرُون.
.
وقال آخرون: أقبلوا إليه يَمْشُون.
وقال آخرون: معناه: فأقبلوا يستعجلون.

################.
وقوله ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ) يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لقومه: أتعبدون أيها القوم ما تنحتون بأيديكم من الأصنام.
كما حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ) الأصنام.

################################################## ##

وقوله ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل إبراهيم لقومه: والله خلقكم أيها القوم وما تعملون. وفي قوله ( وَمَا تَعْمَلُونَ ) وجهان: أحدهما: أن يكون قوله « ما » بمعنى المصدر، فيكون معنى الكلام حينئذ: والله خلقكم وعملكم.
والآخر أن يكون بمعنى « الذي » ،
فيكون معنى الكلام عند ذلك: والله خلقكم والذي تعملونه: أي والذي تعملون
منه الأصنام، وهو الخشب والنحاس والأشياء التي كانوا ينحتون منها أصنامهم.

وهذا المعنى الثاني قصد إن شاء الله قتادةُ بقوله: الذي حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) : بِأَيْدِكُمْ

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ( 97 ) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ ( 98 ) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ( 99 ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ( 100 )
يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم لما قال لهم إبراهيم:
أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ
ابنوا لإبراهيم بنيانا; ذكر أنهم بنوا له بنيانا يشبه التنور، ثم نقلوا
إليه الحطب، وأوقدوا عليه ( فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ) والجحيم عند العرب: جمر النار بعضُه على بعض، والنار على النار.


##################################

وقوله ( فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ) يقول تعالى ذكره: فأراد قوم إبراهيم كيدًا، وذلك ما كانوا أرادوا من إحراقه بالنار. يقول الله: ( فَجَعَلْنَاهُمُ ) أي فجعلنا قوم إبراهيم ( الأسْفَلِينَ ) يعني الأذلين حجة، وغَلَّبنا إبراهيم عليهم بالحجة، وأنقذناه مما أرادوا به من الكيد.
#######################

وقوله ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) يقول: وقال إبراهيم لما أفْلَجَه الله على قومه ونجاه من كيدهم: ( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ) يقول: إني مُهَاجِرٌ من بلدة قومي إلى الله: أي إلى الأرض المقدَّسة، ومفارقهم، فمعتزلهم لعبادة الله.
وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ) : ذاهب بعمله وقلبه ونيته.
وقال آخرون في ذلك: إنما قال إبراهيم ( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ) حين أرادوا أن يلقوه في النار.

وإنما اخترت القول الذي قلت في ذلك، لأن الله تبارك وتعالى
ذكر خبره وخبر قومه في موضع آخر، فأخبر أنه لما نجاه مما حاول قومه من
إحراقه قال إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ففسر أهل التأويل ذلك أن معناه:
إني مهاجر إلى أرض الشام، فكذلك قوله ( إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ) لأنه كقوله إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي وقوله ( سَيَهْدِينِ ) يقول: سيثبتني على الهدى الذي أبصرته، ويعيننى عليه.


##########################
وقوله ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ )
وهذا مسألة إبراهيم ربه أن يرزقه ولدا صالحا; يقول: قال: يا رب هب لي منك
ولدا يكون من الصالحين الذين يطيعونك، ولا يعصونك، ويصلحون في الأرض، ولا
يفسدون.

.
وقال: من الصالحين، ولم يَقُلْ: صالحا من الصالحين، اجتزاء
بمن ذكر المتروك، كما قال عز وجل: وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ
بمعنى زاهدين من الزاهدين.


#######################

القول في تأويل قوله تعالى : فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ( 101 )
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي
الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ
افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ( 102 )

يقول تعالى ذكره: فبشَّرنا إبراهيم بغلام حليم، يعني بغلام
ذي حِلْم إذا هو كَبِر، فأما في طفولته في المهد، فلا يوصف بذلك. وذكر أن
الغلام الذي بشر الله به إبراهيم إسحاق.


#################
وقوله ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ ) يقول: فلما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيم مع إبراهيم العمل، وهو السعي، وذلك حين أطاق معونته على عمله.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
وقال آخرون: معنى ذلك: فلما مشى مع إبراهيم.


##############

وقوله ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم خليل الرحمن لابنه: ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ )
وكان فيما ذكر أن إبراهيم نذر حين بشَّرته الملائكة بإسحاق ولدًا أن يجعله
إذا ولدته سارَة لله ذبيحا; فلما بلغ إسحاقُ مع أبيه السَّعْي أرِي
إبراهيم في المنام، فقيل له: أوف لله بنذرك، ورؤيا الأنبياء يقين، فلذلك
مضى لما رأى في المنام، وقال له ابنه إسحاق ما قال.


##############################

قوله ( فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ) : اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( مَاذَا تَرَى ؟ ) ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض قراء أهل الكوفة: ( فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ؟ ) بفتح التاء، بمعنى: أي شيء تأمر، أو فانظر ما الذي تأمر، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: « مَاذَا تُرَى » بضم التاء، بمعنى: ماذا تُشير، وماذا تُرَى من صبرك أو جزعك من الذبح؟.
والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: ( مَاذَا تَرَى ) بفتح التاء، بمعنى: ماذا ترى من الرأي.
فإن قال قائل: أو كان إبراهيم يؤامر ابنه في المضيّ لأمر
الله، والانتهاء إلى طاعته؟ قيل: لم يكن ذلك منه مشاورة لابنه في طاعة
الله، ولكنه كان منه ليعلم ما عند ابنه من العَزْم: هل هو من الصبر على أمر
الله على مثل الذي هو عليه، فيسر بذلك أم لا وهو في الأحوال كلها ماض لأمر
الله.

####################

وقوله ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) يقول تعالى ذكره: قال إسحاق لأبيه: يا أبت افعل ما يأمرك به ربك من ذبحي. ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) يقول: ستجدني إن شاء الله صابرا من الصابرين لما يأمرنا به ربنا، وقال: ( افعل ما تُؤْمَرُ، ولم يقل: ما تؤمر به، لأن المعنى: افعل الأمر الذي تؤمره، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « إني أرى في المنام: افعل ما أُمِرْت به » .

####################
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:13 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قال الطبري رحمه الله "

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ( 103 ) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ( 104 ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 105 ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ( 106 )
يقول تعالى ذكره: فلما أسلما أمرهما لله وفوّضاه إليه واتفقا على التسليم لأمره والرضا بقضائه.

#####################
وقوله ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) يقول: وصَرَعَه للجَبِيِن، والجبينان ما عن يمين الجبهة وعن شمالها، وللوجه جبينان، والجبهة بينهما.
############################

وقوله ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) وهذا جواب قوله ( فَلَمَّا أَسْلَمَا )
ومعنى الكلام: فلما أسلما وتلَّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم; وأدخلت
الواو في ذلك كما أدخلت في قوله حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ
أَبْوَابُهَا وقد تفعل العرب ذلك فتدخل الواو في جواب فلما، وحتى وإذا
تلقيها.

ويعني بقوله ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) التي أريناكها في منامك بأمرناك بذبح ابنك.

#############################

وقوله ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيم، كذلك نجزى الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا في رضانا.

#############################

وقوله ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ )
: يقول تعالى ذكره: إن أمرنا إياك يا إبراهيم بذبح ابنك إسحاق، لهو
البلاء، يقول: لهو الاختبار الذي يبين لمن فكَّرَ فيه أنه بلاء شديد
ومِحْنة عظيمة. وكان ابن زيد يقول: البلاء في هذا الموضع الشرّ وليس
باختبار.


################################

القول في تأويل قوله تعالى : وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ( 107 ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( 108 ) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( 109 ) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 110 ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( 111 )
وقوله ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) يقول: وفدينا إسحاق بذبح عظيم، والفدية: الجزاء، يقول: جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيم، وأنقذناه من الذبح.
واختلف أهل التأويل، في المفديّ من الذبح من ابني إبراهيم، فقال بعضهم: هو إسحاق.

# عن العباس بن عبد المطلب، عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ذكره، قال: « هو إسحاق » .




########################

وقال آخرون: الذي فُدِي بالذبح العظيم من بني إبراهيم: إسماعيل.
# : روى علي الخبير: ( كنا عند رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله عُدّ
عليّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين; فضحك عليه الصلاة والسلام ;
فقلنا له: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما أُمِر
بحفْر زمزم، نذر لله لئن سَهُل عليه أمرها ليذبحنّ أحد ولده، قال: فخرج
السهم على عبد الله، فمنعه أخواله، وقالوا: افْدِ ابنك بمئة من الإبل،
ففداه بمئة من الإبل، وإسماعيل الثاني
) .


والعرب تقول لكلّ ما أُعِدّ للذبح ذِبْح، وأما الذَّبح بفتح الذال فهو الفعل.

################
قال أبو جعفر:
وأولى القولين بالصواب في المَفْديّ من ابني إبراهيم خليل الرحمن على ظاهر التنـزيل قول من قال: هو إسحاق، لأن الله قال: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )
فذكر أنه فدَى الغلامَ الحليمَ الذي بُشِّر به إبراهيم حين سأله أن يهب له
ولدًا صالحًا من الصالحين، فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فإذ
كان المفدِيّ بالذبح من ابنيه هو المبشَّر به، وكان الله تبارك اسمه قد بين
في كتابه أن الذي بُشِّر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جل
ثناؤه: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ
وكان في كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنما هو معنيّ به إسحاق،
كان بيَّنا أن تبشيره إياه بقوله فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ في هذا
الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن.



وبعد: فإن الله أخبر جل ثناؤه في هذه الآية عن خليله أنه
بشَّره بالغلام الحليم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالحين، ومعلوم أنه
لم يسأله ذلك إلا في حال لم يكن له فيه ولد من الصالحين، لأنه لم يكن له من
ابنيه إلا إمام الصالحين، وغير موهم منه أن يكون سأل ربه في هبة ما قد كان
أعطاه ووهبه له. فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالى ذكره في هذا
الموضع هو الذي ذكر في سائر القرآن أنه بشَّره به وذلك لا شك أنه إسحاق، إذ
كان المفديّ هو المبشَّر به. وأما الذي اعتلّ به من اعتلّ في أنه إسماعيل،
أن الله قد كان وعد إبراهيم أن يكون له من إسحاق ابن ابن، فلم يكن جائزا
أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم; فإن الله إنما أمره بذبحه بعد أن
بلغ معه السعي، وتلك حال غير ممكن أن يكون قد وُلد لإسحاق فيها أولاد، فكيف
الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بأن الله أتبع قصة المفديّ من ولد إبراهيم
بقوله وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا ولو كان المفديّ هو إسحاق لم
يبشَّر به بعد، وقد ولد، وبلغ معه السعي، فإن البشارة بنبوة إسحاق من الله
فيما جاءت به الأخبار جاءت إبراهيم وإسحاق بعد أن فُدِي تكرمة من الله له
على صبره لأمر ربه فيما امتحنه به من الذبح، وقد تقدمت الرواية قبلُ عمن
قال ذلك. وأما اعتلال من اعتلّ بأن قرن الكبش كان معلقا في الكعبة فغير
مستحيل أن يكون حُمل من الشام إلى الكعبة. وقد رُوي عن جماعة من أهل العلم
أن إبراهيم إنما أمر بذبح ابنه إسحاق بالشام، وبها أراد ذبحه.

##############################

اختلف أهل العلم في الذِّبح الذي فُدِي به إسحاق، فقال بعضهم: كان كبشا.

************************************************** ***********


وقال آخرون: كان الذبح وعلا.

****************************
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل للذِّبح الذي فدي به إسحاق عظيم،

فقال بعضهم: قيل ذلك كذلك، لأنه كان رَعَى في الجنة.
وقال آخرون: قيل له عظيم، لأنه كان ذِبْحًا متقبَّلا.
.
وقال آخرون: قيل له عظيم، لأنه ذِبْح ذُبِحَ بالحقّ، وذلك ذبحه بدين إبراهيم.
قال أبو جعفر: ولا قول في ذلك
أصح مما قال الله جلّ ثناؤه، وهو أن يقال: فداه الله بذِبح عظيم، وذلك أن
الله عم وصفه إياه بالعظم دون تخصيصه، فهو كما عمه به.

***************************************

وقوله ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ) يقول تعالى ذكره: وأبقينا عليه فيمن بعده إلى يوم القيامة ثناءً حسنا.

وقيل: معنى ذلك: وتركنا عليه في الآخرين السلام، وهو قوله ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، وذلك قول يُرْوى عن ابن عباس تركنا ذكره لأن في إسناده من لم نستجز ذكره; وقد ذكرنا الأخبار المروية في قوله ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ) فيما مضى قبل.

وقيل:
معنى ذلك: وتركنا عليه في الآخرين أن يقال: سلام على إبراهيم.

##################
وقوله ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) يقول تعالى ذكره: أمَنَة من الله في الأرض لإبراهيم أن لا يذكر من بعده إلا بالجميل من الذكر.

#################
وقوله ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) يقول: كما جزينا إبراهيم على طاعته إيانا وإحسانه في الانتهاء إلى أمرنا، كذلك نجزي المحسنين ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: إن إبراهيم من عبادنا المخلصين لنا الإيمان.

*********************************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ( 112 ) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ( 113 )
يقول تعالى ذكره: وبشَّرنا إبراهيم بإسحاق نبيا شكرا له على إحسانه وطاعته.

*************************************

وقوله ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ ) يقول تعالى ذكره: وباركنا على إبراهيم وعلى إسحاق ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ ) يعني بالمحسن: المؤمن المطيع لله، المحسن في طاعته إياه ( وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ) ويعني بالظالم لنفسه: الكافر بالله، الجالب على نفسه بكفره عذاب الله وأليم عقابه ( مبين ) : يعني الذي قد أبان ظلمه نفسه بكفره بالله.
********************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( 114 ) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ( 115 ) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ( 116 )
يقول تعالى ذكره: ولقد تفضلنا على موسى وهارون ابني عمران،
فجعلناهما نبيين، ونجيناهما وقومهما من الغم والمكروه العظيم الذي كانوا
فيه من عُبودة آل فرعون، ومما أهلكنا به فرعون وقومه من الغرق.


######################

وقوله ( وَنَصَرْنَاهُمْ ) يقول: ونصرنا موسى وهارون وقومهما على فرعون وآله بتغريقناهم، ( فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ) لهم.
##################

وقال بعض أهل العربية: إنما أريد بالهاء والميم في قوله ( وَنَصَرْنَاهُمْ )
موسى وهارون، ولكنها أخرجت على مخرج مكنيّ الجمع، لأن العرب تذهب بالرئيس
كالنبي والأمير وشبه إلى الجمع بجنوده وأتباعه، وإلى التوحيد لأنه واحد في
الأصل، ومثله: عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ وفي موضع آخر:
وملئه قال: وربما ذهبت العرب بالاثنين إلى الجمع كما تذهب بالواحد إلى
الجمع، فتخاطب الرجل، فتقول: ما أحسنتم ولا أجملتم، وإنما تريده بعينه،
وهذا القول الذي قاله هذا الذي حكينا قوله في قوله ( وَنَصَرْنَاهُمْ ) وإن كان قولا غير مدفوع، فإنه لا حاجة بنا إلى الاحتيال به لقوله ( وَنَصَرْنَاهُمْ ) لأن الله أتبع ذلك قوله ( وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) ثم قال: ( وَنَصَرْنَاهُمْ )
يعني: هما وقومهما، لأن فرعون وقومه كانوا أعداء لجميع بني إسرائيل، قد
استضعفوهم، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، فنصرهم الله عليهم، بأن
غرّقهم ونجى الآخرين.


****************************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ ( 117 ) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ( 118 ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ ( 119 ) سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ( 120 ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 121 ) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( 122 )
يقول تعالى ذكره: وآتينا موسى وهارون الكتاب: يعني التوراة.
ويعني بالمستبين: المتبيِّن هُدَى ما فيه وتفصيله وأحكامه.

****************************
وقوله ( وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) يقول تعالى ذكره: وهدينا موسى وهارون الطريق المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه وهو الإسلام دين الله، الذي ابتعث به أنبياءه.

************************************
وقوله ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ ) يقول: وتركنا عليهما في الآخرين بعدهم الثناء الحسن عليهما.

*****************
وقوله ( سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) يقول: وذلك أن يقال: سلام على موسى وهارون.

******************
وقوله ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) يقول: هكذا نجزي أهل طاعتنا، والعاملين بما يرضينا عنهم ( إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: إن موسى وهارون من عبادنا المخلصين لنا الإيمان.

********************************

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 123 ) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ( 124 ) أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ( 125 ) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ ( 126 )
يقول تعالى ذكره: وإن إلياس، وهو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران----وذلك عن ابن إسحاق.
وقيل: إنه إدريس، ----وذلك عن قتادة، قال: كان يقال: إلياس هو إدريس.

#################################

وقوله ( لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) يقول جلّ ثناؤه: لمرسل من المرسلين ( إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ) .
؟ يقول حين قال لقومه في بني إسرائيل: ألا تتقون الله أيها القوم، فتخافونه، وتحذرون عقوبته على عبادتكم ربا غير الله، وإلهًا سواه ( وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) يقول: وتَدعون عبادة أحسن مَن قيل له خالق.
#################

وقد اختلف في معنى بَعْل، فقال بعضهم: معناه: أتدعون ربا؟ وقالوا: هي لغة لأهل اليمن معروفة فيهم.


وقال آخرون: هو صنم كان لهم يقال له بَعْل، وبه سميت بعلبك.

وقال آخرون: كان بَعْل: امرأة كانوا يعبدونها.
وللبَعْل في كلام العرب أوجه. يقولون لربّ الشيء هو بَعْله،
يقال: هذا بَعْل هذه الدار، يعني ربُّها; ويقولون لزوج المرأة بعلُها;
ويقولون لما كان من الغروس والزروع مستغنيا بماء السماء، ولم يكن سقيا بل
هو بعل، وهو العَذْي. وذُكر أن الله بعث إلى بني إسرائيل إلياس بعد مهلك
حِزْقيل بن يوزا.



#################################

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ ) فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة: ( الله رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ ) رفعا على الاستئناف، وأن الخبر قد تناهى عند قوله ( أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: ( اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ ) نصبا، على الردّ على قوله ( وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ) على أن ذلك كله كلام واحد.
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا
المعنى، مع استفاضة القراءة بهما في القرّاء، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب.
وتأويل الكلام: ذلك معبودكم أيها الناس الذي يستحق عليكم العبادة: ربكم
الذي خلقكم، وربّ آبائكم الماضين قبلكم، لا الصنم الذي لا يخلق شيئا، ولا
يضرّ ولا ينفع.

############################
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:14 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قال الطبري رحمه الله "


القول في تأويل قوله تعالى : فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 127 ) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 128 ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ( 129 )
وقوله ( فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) يقول: فكَذّب إلياس قَومُهُ، فإنهم لمحضرون: يقول: فإنهم لمحضرون في عذاب الله فيشهدونه.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) في عذاب الله. ( إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) يقول: فإنهم يحضرون في عذاب الله، إلا عباد الله الذين أخلصهم من العذاب ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ ) يقول: وأبقينا عليه الثناء الحسن في الآخرين من الأمم بعده.

#######################

القول في تأويل قوله تعالى : سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ( 130 ) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 131 ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( 132 )
يقول تعالى ذكره: أمنة من الله لآل ياسين.

#######################

واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) فقرأته عامة قرّاء مكة والبصرة والكوفة: ( سَلامُ عَلى إلْياسِينَ )
بكسر الألف من إلياسين ، فكان بعضهم يقول: هو اسم إلياس، ويقول: إنه كان
يُسمى باسمين: إلياس، وإليا سين مثل إبراهيم، وإبراهام; يُستشهد على ذلك أن
ذلك كذلك بأن جميع ما في السورة من قوله ( سَلامٌ )
فإنه سلام على النبي الذي ذكر دون آله، فكذلك إلياسين ، إنما هو سلام على
إلياس دون آله. وكان بعض أهل العربية يقول: إلياس: اسم من أسماء العبرانية،
كقولهم: إسماعيل وإسحاق، والألف واللام منه، ويقول: لو جعلته عربيا من
الإلس، فتجعله إفعالا مثل الإخراج، والإدخال أجْري ; ويقول: قال: سلام على
إلياسين، فتجعله بالنون، والعجمي من الأسماء قد تفعل به هذا العرب، تقول:
ميكال وميكائيل وميكائيل، وهي في بني أسد تقول: هذا إسماعين قد جاء، وسائر
العرب باللام; قال: وأنشدني بعض بني نمير لضب صاده:

يَقُــولُ رَبُّ السُّــوقِ لَمَّــا جِيْنـا هَـــذَا وَرَبّ البَيْـــتِ إسْــرَائِينا
قال: فهذا كقوله إلياسين; قال: وإن شئت ذهبت بإلياسين إلى
أن تجعله جمعا، فتجعل أصحابه داخلين في اسمه، كما تقول لقوم رئيسهم المهلب:
قد جاءتكم المهالبة والمهلبون، فيكون بمنـزلة قولهم الأشعرين بالتخفيف،
والسعدين بالتخفيف وشبهه، قال الشاعر :

أنا ابْنُ سَعْدٍ سَيِّدِ السَّعْدِينَا
قال: وهو في الاثنين أن يضمّ أحدهما إلى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما كقول الشاعر :
جَــزَانِي الزَّهْدَمَــانِ جَـزاءَ سَـوْءٍ وكُــنتُ المَــرْءَ يُجْـزَى بالكَرَامَـةْ
واسم أحدهما: زهدم; وقال الآخر:
جَـزَى اللـه فِيهـا الأعْـوَرَيْنِ ذَمَامَةً وَفَــرْوَةَ ثَفْــرَ الثَّـوْرَةِ المُتَضَـاجِمِ
واسم أحدهما أعور.
وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: « سَلام عَلى آل يَاسِينَ »
بقطع آل من ياسين، فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى: سلام على آل محمد. وذُكر
عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ قوله وَإِنَّ إِلْيَاسَ بترك الهمز في إلياس
ويجعل الألف واللام داخلتين على « ياس » للتعريف، ويقول: إنما كان اسمه « ياس » أدخلت عليه ألف ولام ثم يقرأ على ذلك: « سلام على إلياسين » .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه: ( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ )
بكسر ألفها على مثال إدراسين، لأن الله تعالى ذكره إنما أخبر عن كل موضع
ذكر فيه نبيا من أنبيائه صلوات الله عليهم في هذه السورة بأن عليه سلاما لا
على آله، فكذلك السلام في هذا الموضع ينبغي أن يكون على إلياس كسلامه على
غيره من أنبيائه، لا على آله، على نحو ما بيَّنا من معنى ذلك.

فإن ظنّ ظانّ أن إلياسين غير إلياس، فإن فيما حكينا من احتجاج من احتج بأن إلياسين هو إلياس غني عن الزيادة فيه.
مع أن فيما حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) قال: إلياس.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود: « سَلامٌ عَلى إدْرَاسِينَ » دلالة واضحة على خطأ قول من قال: عنى بذلك سلام على آل محمد، وفساد قراءة من قرأ: « وإنَّ إلياسَ » بوصل النون من « إن » بالياس، وتوجيه الألف واللام فيه إلى أنهما أدخلتا تعريفا للاسم الذي هو ياس، وذلك أن عبد الله كان يقول: إلياس هو إدريس، ويقرأ: « وَإِنَّ إدْرِيسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » ، ثم يقرأ على ذلك: « سَلامٌ عَلَى إدْرَاسِينَ » ، كما قرأ الآخرون: ( سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) بقطع الآل من ياسين. ونظير تسمية إلياس بإل ياسين : وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ] ثم قال في موضع آخر: وَطُورِ سِينِينَ وهو موضع واحد سمي بذلك.

##############################
وقوله ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) يقول تعالى ذكره: إنا هكذا نجزي أهل طاعتنا والمحسنين أعمالا وقوله ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) يقول: إن إلياس عبد من عبادنا الذين آمنوا، فوحَّدونا، وأطاعونا، ولم يشركوا بنا شيئا.

##########################


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 133 ) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ( 134 ) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ( 135 ) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ ( 136 )
يقول تعالى ذكره: وإن لوطا المرسل من المرسلين.
( إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ) يقول: إذ نجَّينا لوطا وأهله أجمَعينَ من العذاب الذي أحللناه بقومه، فأهلكناهم به. ( إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ) يقول: إلا عجوزا في الباقين، وهي امرأة لوط، وقد ذكرنا خبرها فيما مضى، واختلاف المختلفين في معنى قوله ( فِي الْغَابِرِينَ ) ، والصواب من القول في ذلك عندنا.
وقد حُدثت عن المسيِّب بن شريك، عن أبي روق، عن الضحاك ( إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ) يقول: إلا امرأته تخلَّفت فمسخت حجرا، وكانت تسمى هيشفع.

#####################

وقوله ( ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ ) يقول: ثم قذفناهم بالحجارة من فوقهم، فأهلكناهم بذلك.

#####################

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ ( 137 ) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( 138 )
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: وإنكم لتمرون على قوم لوط الذين دمرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل.
###########################
وقوله ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) يقول:
أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكَّرون، فتعلمون أن من سلك من عباد الله
في الكفر به، وتكذيب رسله، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط، نازل
بهم من عقوبة الله، مثل الذي نـزل بهم على كفرهم بالله، وتكذيب رسوله،
فيزجركم ذلك عما أنتم عليه من الشرك بالله، وتكذيب محمد عليه الصلاة
والسلام.

########################

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 139 ) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( 140 ) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ( 141 ) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ( 142 )
يقول تعالى ذكره: وإن يونس لمرسل من المرسلين إلى أقوامهم ( إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) يقول: حين فرّ إلى الفُلك، وهو السفينة، المشحون: وهو المملوء من الحمولة المُوقَر.

#####################.
وقوله ( فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) يعني:
فكان من المسهومين المغلوبين، يقال منه: أدحض الله حجة فلان فدحضت: أي
أبطلها فبطلت، والدَّحْض: أصله الزلق في الماء والطين، وقد ذُكر عنهم:
دَحَض الله حجته، وهي قليلة.

#############################

وقوله ( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ) يقول: فابتلعه الحوت; وهو افتعل من اللَّقْم. وقوله
( وَهُوَ مُلِيمٌ ) يقول:
وهو مكتسب اللوم، يقال: قد ألام الرجل، إذا أتى ما يُلام عليه من الأمر
وإن لم يُلَم، كما يقال: أصبحت مُحْمِقا مُعْطِشا: أي عندك الحمق والعطش;
ومنه قول لبيد
:

سَــفَها عَـذَلْتَ ولُمْـتَ غـيرَ مُلِيـمِ وَهَــداكَ قَبـلَ الْيـومِ غـيرُ حَـكيمِ
فأما الملوم فهو الذي يلام باللسان، ويعذل بالقول.

###########################
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ( 143 ) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 144 ) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ( 145 ) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ( 146 )
يقول تعالى ذكره: ( فَلَوْلا أَنَّهُ ) يعني يونس ( كَانَ مِنَ ) المُصَلِّينَ لله قبل البلاء الذي ابتُلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت

( لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) يقول:
لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه
كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه
ونجَّاه.

وقد اختلف أهل التأويل في وقت تسبيح يونس الذي ذكره الله به، فقال ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك، وقالوا مثل قولنا في معنى قوله ( مِنَ الْمُسَبِّحِينَ )
# عن أنس بن مالك : « أنَّ يُونُسَ
النَّبِيّ حِينَ بَدَا لَهُ أنْ يَدْعُوَ الله بالكَلِماتِ حِينَ نَادَاهُ
وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا إلهَ إلا أنْتَ
سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ
تَحْتَ الْعَرْشِ، فَقَالَتِ المَلائِكَةُ: يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ
مَعْرُوفٌ فِي بِلادٍ غَرِيبَة، قَالَ: أما تَعْرِفُونَ ذلكَ؟ قَالُوا يَا
رَبّ وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: ذَلكَ عَبْدِي يُونُسُ، قَالُوا: عَبْدُكَ
يُونُسُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ
مُسْتَجَابَةٌ، قَالُوا: يَا رَبّ أوَلا يُرْحَمُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي
الرَّخَاءِ فَتُنَجِّيهِ مِنَ البَلاءِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَمَرَ الْحُوتَ
فَطَرَحَهُ بالعَرَاءِ »
.

####################

: وقيل: إنما أحدث الصلاة التي أخبر الله عنه بها، فقال: ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ) في بطن الحوت.
وقال بعضهم: كان ذلك تسبيحا، لا صلاة.

####################
وقوله ( فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ ) يقول: فقذفناه بالفضاء من الأرض، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره; ومنه قول الشاعر:
ورَفَعْـتُ رِجْـلا لا أخـافُ عِثارَهـا وَنَبَــذْتُ بــالبَلدِ العَــرَاءِ ثِيـابِي
يعني بالبلد: الفضاء.
********************************
. وقوله ( وَهُوَ سَقِيمٌ ) يقول: وهو كالصبي المنفوس: لحم نِيء.
***********************
وقوله ( وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ) يقول
تعالى ذكره: وأنبتنا على يونس شجرة من الشجر التي لا تقوم على ساق، وكل
شجرة لا تقوم على ساق كالدُّباء والبِطِّيخ والحَنْظَل ونحو ذلك، فهي عند
العرب يَقْطِين.

واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.
. وقال آخرون: هو القرع.
. وقال ابن أبي الصلت قبل الإسلام في ذلك بيتا من شعر:
فَــأَنْبَتَ يَقْطِينــا عَلَيْــه برَحْمَـةٍ مِـنَ اللـه لَـوْلا اللـه أُلْفِـيَ ضَاحِيـا
وقال آخرون: كان اليقطين شجرة أظلَّت يونس.
##############################

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ( 147 ) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ( 148 ) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ( 149 )
يقول تعالى ذكره: فأرسلنا يونس إلى مئة
ألف من الناس، أو يزيدون على مئة ألف. وذكر عن ابن عباس أنه كان يقول:
معنى قوله ( أوْ ) : بل يزيدون.

# عن أبيّ بن كعب، أنه سأل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن قوله ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) قال: يزيدون عشرون ألفا.

#####################
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في ذلك: معناه إلى مئة ألف أو كانوا يزيدون عندكم، يقول: كذلك كانوا عندكم.
وإنما عنى بقوله ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) أنه أرسله إلى قومه الذين وعدهم العذاب، فلما أظلهم تابوا، فكشف الله عنهم. وقيل: إنهم أهل نينَوَى.

####################
وقيل: إن يونس أرسل إلى أهل نِيْنَوَى بعد ما نبذه الحوت بالعراء.

##################
وقوله ( فَآمَنُوا ) يقول: فوحدوا الله الذي أرسل إليهم يونس، وصدقوا بحقيقة ما جاءهم به يونس من عند الله.

##############
وقوله ( فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ) يقول: فأخرنا عنهم العذاب، ومتعناهم إلى حين بحياتهم إلى بلوغ آجالهم من الموت.

####################
وقوله ( فَاسْتَفْتِهِمْ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : سل يا محمد مشركي قومك من قريش.


###############
وقوله ( أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ) : ذكر
أن مشركي قريش كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، وكانوا يعبدونها، فقال
الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام : سلهم، وقل لهم: ألربي البنات ولكم
البنون؟.


#############################
##############################


القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ( 150 ) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ( 151 ) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 152 )
يعني تعالى ذكره: أم شهد هؤلاء
القائلون من المشركين: الملائكة بنات الله خلقي الملائكة وأنا أخلقهم
إناثا، فشهدوا هذه الشهادة، ووصفوا الملائكة بأنها إناث
.

************************
وقوله ( أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: ألا إن هؤلاء المشركين من كذبهم ( لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) في قيلهم ذلك.

***************************
وقوله ( أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ ) يقول تعالى ذكره: ألا إن هؤلاء المشركين من كذبهم ( لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) في قيلهم ذلك.

#####################################


القول في تأويل قوله تعالى : أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ( 153 )
يقول تعالى ذكره موَبّخا هؤلاء القائلين لله البنات من مشركي قريش: ( أَصْطَفَى ) الله أيها القوم ( الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ) ؟
******************
والعرب إذا وجهوا الاستفهام إلى
التوبيخ أثبتوا ألف الاستفهام أحيانا وطرحوها أحيانا، كما قيل:
أَذْهَبْتُمْ بالقصر طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا يستفهم
بها، ولا يستفهم بها، والمعنى في الحالين واحد، وإذا لم يستفهم في قوله
( أَصْطَفَى الْبَنَاتِ ) ذهبت ألف اصطفى في الوصل، ويبتدأ بها بالكسر، وإذا استفهم فتحت وقطعت.

وقد ذُكر عن بعض أهل المدينة أنه قرأ
ذلك بترك الاستفهام والوصل. فأما قرّاء الكوفة والبصرة، فإنهم في ذلك على
قراءته بالاستفهام، وفتح ألفه في الأحوال كلها، وهي القراءة التي نختار
لإجماع الحجة من القرّاء عليها.


##################################

القول في تأويل قوله تعالى : مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( 154 ) أَفَلا تَذَكَّرُونَ ( 155 ) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ( 156 ) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 157 )
وقوله ( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )
يقول: بئس الحكم تحكمون أيها القوم أن يكون لله البنات ولكم البنون، وأنتم
لا ترضون البنات لأنفسكم، فتجعلون له ما لا ترضونه لأنفسكم؟

#######################

وقوله ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) يقول: أفلا تتدبرون ما تقولون؟ فتعرفوا خطأه فتنتهوا عن قيله.
######################

وقوله ( أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ) يقول: ألكم حجة تبين صحتها لمن سمعها بحقيقة ما تقولون؟

#######################

.
وقوله ( فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ ) يقول: فأتوا بحجتكم من كتاب جاءكم من عند الله بأن الذي تقولون من أن له البنات ولكم البنين كما تقولون.
. ***********************
وقوله ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) يقول: إن كنتم صادقين أن لكم بذلك حُجَّة.

######################

القول في تأويل قوله تعالى : وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 158 ) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 159 ) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 160 )
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بين الله وبين الجنة نسبا.
واختلف أهل التأويل في معنى النسب الذي أخبر الله عنهم أنهم جعلوه لله تعالى، فقال بعضهم: هو أنهم قالوا أعداء الله: إن الله وإبليس أخوان.

وقال آخرون: هو أنهم قالوا: الملائكة بنات الله، وقالوا: الجنة: هي الملائكة.

#######################
وقوله ( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: ولقد علمت الجنة إنهم لمشهدون الحساب.

وقال آخرون: معناه: إن قائلي هذا القول سيُحضرون العذاب في النار.


. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: إنهم لمحضرون
العذاب، لأن سائر الآيات التي ذكر فيها الإحضار في هذه السورة، إنما عُنِيَ
به الإحضار في العذاب، فكذلك في هذا الموضع.


########################
وقوله ( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) يقول تعالى ذكره تنـزيهًا لله، وتبرئة له مما يضيف إليه هؤلاء المشركون به، ويفترون عليه، ويصفونه، من أن له بنات، وأن له صاحبة.

####################
وقوله ( إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ )
يقول: ولقد علمت الجنَّةُ أن الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله لمحضرون
العذاب، إلا عباد الله الذين أخلصَهُمْ لرحمته، وخلقهم لجنته.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ( 161 ) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ( 162 ) إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ( 163 ) وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ( 164 )
يقول تعالى ذكره: ( فَإِنَّكُمْ ) أيها المشركون بالله ( وَمَا تَعْبُدُونَ ) من الآلهة والأوثان ( مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ) يقول: ما أنتم على ما تعبدون من دون الله بفاتنين: أي بمضِلِّينَ أحدًا ( إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ) يقول: إلا أحدًا سبق في علمي أنه صال الجحيم.
وقد قيل: إن معنى ( عَلَيْهِ ) في قوله ( مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ) بمعنى به.

##################
وقيل: ( بِفَاتِنِينَ ) من فتنت أفتن، وذلك لغة أهل الحجاز، وأما أهل نجد فإنهم يقولون: أفتنته فأنا أفتنه. وقد ذُكر عن الحسن أنه قرأ: « إلا مَنْ هُوَ صَالُ الجَحِيمِ » برفع اللام من « صالِ » ، فإن كان أراد بذلك الجمع كما قال الشاعر:
إذَا مــا حــاتِم وُجِـدَ ابْـنَ عَمِّـي مَجْدَنـــا مــنْ تَكَــلَّمُ أجْمعِينــا
فقال: أجمعينا، ولم يقل: تكلموا، وكما يقال في الرجال: من
هو إخوتك، يذهب بهو إلى الاسم المجهول ويخرج فعله على الجمع، فذلك وجه وإن
كان غيره أفصح منه; وإن كان أراد بذلك واحدا فهو عند أهل العربية لحن، لأنه
لحن عندهم أن يقال: هذا رامٌ وقاضٌ، إلا أن يكون سمع في ذلك من العرب لغة
مقلوبة، مثل قولهم: شاكُ السلاح، وشاكي السلاح، وعاث وعثا وعاق وعقا، فيكون
لغة، ولم أسمع أحدا يذكر سماع ذلك من العرب.


################
وقوله ( وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ) وهذا خبر من الله عن قيل الملائكة أنهم قالوا: وما منا معشر الملائكة إلا من له مقام في السماء معلوم.
# عن عائشة أنها قالت: قال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : « ما فِي سَماءِ الدُّنْيا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلا عَلَيْه مَلَكٌ ساجِد أوْ قائم »
. فذلك قول الملائكة: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ *
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ

.

##########################

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ( 165 ) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ( 166 ) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ( 167 ) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ ( 168 ) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 169 )
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل ملائكته: ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ) لله لعبادته ( وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ) له، يعني بذلك المصلون له.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقال به أهل التأويل.

#عن عائشة أنها قالت: قال نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : « مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أوْ قائم » ، فذلك قول الله: وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ

###################################

وقوله ( وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء المشركون من قريش يقولون قبل أن يبعث إليهم محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نبيا، ( لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ ) يعني كتابا أنـزل من السماء كالتوراة والإنجيل، أو نبي أتانا مثل الذي أتى اليهود والنصارى ( لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ ) الذين أخلصهم لعبادته، واصطفاهم لجنته.

######################

القول في تأويل قوله تعالى : فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 170 ) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ( 171 ) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ( 172 ) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ( 173 )
يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم الذكر من عند الله كفروا به،
وذلك كفرهم بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبما جاءهم به من عند الله
من التنـزيل والكتاب، يقول الله: فسوف يعلمون إذا وردوا عليّ ماذا لهم من
العذاب بكفرهم بذلك.

####################
وقوله ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ )
يقول تعالى ذكره: ولقد سبق منا القول لرسلنا إنهم لهم المنصورون: أي مضى
بهذا منا القضاء والحكم في أمّ الكتاب، وهو أنهم لهم النُّصرة والغَلبة
بالحجج.



######################
وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين بالسعادة. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « ولقد سبقت كلمتنا على عبادنا المرسلين » فجعلت على مكان اللام، فكأن المعنى: حقت عليهم ولهم، كما قيل: على مُلك سليمان، وفي مُلك سليمان، إذ كان معنى ذلك واحدا.
########################

وقوله ( وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) يقول: وإن حزبنا وأهل ولايتنا لهم الغالبون، يقول: لهم الظفر والفلاح على أهل الكفر بنا، والخلاف علينا.

###########################

القول في تأويل قوله تعالى : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ( 174 ) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ( 175 ) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ( 176 ) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ( 177 )
يعني تعالى ذكره بقوله ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ) : فأعرض عنهم إلى حين.
واختلف أهل التأويل في هذا الحين، فقال بعضهم: معناه إلى الموت.

وقال آخرون: إلى يوم بدر.

. وقال آخرون: معنى ذلك: إلى يوم القيامة.

وهذا القول الذي قاله السديّ، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل، وذلك أن الله توعدهم بالعذاب الذي كانوا يستعجلونه، فقال: ( أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ )
، وأمر نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يُعْرِض عليهم إلى مجيء
حينه. فتأويل الكلام: فتول عنهم يا محمد إلى حين مجيء عذابنا، ونـزوله بهم.


##########################
وقوله ( وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) : وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من عقابنا.

################################################## #

وقوله ( أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ) يقول: فبنـزول عذابنا بهم يستعجلونك يا محمد، وذلك قولهم للنبي مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ .
####################

وقوله ( فَإِذَا نـزلَ بِسَاحَتِهِمْ )
يقول: فإذا نـزل بهؤلاء المشركين المستعجلين بعذاب الله العذاب. العرب
تقول: نـزل بساحة فلان العذاب والعقوبة، وذلك إذا نـزل به; والساحة: هي
فناء دار الرجل، ( فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ) يقول: فبئس صباح القوم الذين أنذرهم رسولنا نـزول ذلك العذاب بهم فلم يصدقوا به.

.

#############################

القول في تأويل قوله تعالى : وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ( 178 ) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ( 179 ) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 180 ) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ( 181 ) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 182 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : وأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين، وخلهم وقريتهم على ربهم ( حَتَّى حِينٍ ) يقول: إلى حين يأذن الله بهلاكهم ( وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ) يقول: وانظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من عقابنا في حين لا تنفعهم التوبة، وذلك عند نـزول بأس الله بهم. وقوله ( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ) يقول تعالى ذكره تنـزيها لربك يا محمد وتبرئة له. ( رَبِّ الْعِزَّةِ ) يقول: ربّ القوّة والبطش ( عَمَّا يَصِفُونَ )
يقول: عمَّا يصف هؤلاء المفترون عليه من مشركي قريش، من قولهم ولد الله،
وقولهم: الملائكة بنات الله، وغير ذلك من شركهم وفريتهم على ربهم.

.

############################
وقوله ( وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ )
يقول: وأمة من الله للمرسلين الذين أرسلهم إلى أممهم الذي ذكرهم في هذه
السورة وغيرهم من فزع يوم العذاب الأكبر، وغير ذلك من مكروه أن ينالهم من
قبل الله تبارك وتعالى.

#ؤ قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : « إذا سلمتم عليّ فسلموا على المرسلين فإنما أنا رسول من المرسلين » .
( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
يقول تعالى ذكره: والحمد لله رب الثقلين الجن والإنس، خالصا دون ما
سواه،لأن كلّ نعمة لعباده فمنه، فالحمد له خالص لا شريك له، كما لا شريك له
في نعمه عندهم، بل كلها من قبله، ومن عنده.


############################
( آخر تفسير سورة الصافات )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:14 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

تأويل سورة ص --

يؤخذ من الرابط المذكور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:15 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


تأويل سورة الزمر

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

تفسير سورة الزمر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الرحيم

*****************************************

قال الطبري رحمه الله ":

القول في تأويل قوله تعالى : تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( 1 ) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ( 2 )
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ
أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى
إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

يقول تعالى ذكره: ( تَنـزيلُ الْكِتَابِ ) الذي نـزلناه عليك يا محمد ( مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) في انتقامه من أعدائه ( الحَكِيمِ ) في تدبيره خلقه, لا من غيره, فلا تكوننّ في شكّ من ذلك، ورفع قوله: ( تَنـزيلُ ) بقوله: ( مِنَ اللَّهِ )
وتأويل الكلام: من الله العزيز الحكيم تنـزيل الكتاب. وجائز رفعه بإضمار
هذا, كما قيل: سُورَةٌ أَنْـزَلْنَاهَا غير أن الرفع في قوله: ( تَنـزيلُ الْكِتَابِ )
بما بعده, أحسن من رفع سورة بما بعدها, لأن تنـزيل, وإن كان فعلا فإنه إلى
المعرفة أقرب, إذ كان مضافا إلى معرفة, فحسن رفعه بما بعده, وليس ذلك
بالحسن في « سُورَة » , لأنه نكرة.
******************************


وقوله: ( إِنَّا أَنـزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنا أنـزلنا إليك يا محمد الكتاب, يعني بالكتاب: القرآن ( بِالْحَقِّ )
يعني بالعدل، يقول: أنـزلنا إليك هذا القرآن يأمر بالحقّ والعدل, ومن ذلك
الحق والعدل أن تعبد الله مخلصا له الدين, لأن الدين له لا للأوثان التي لا
تملك ضرا ولا نفعا. ,


*********************************

وقوله: ( فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ )
يقول تعالى ذكره: فاخشع لله يا محمد بالطاعة, وأخلص له الألوهة, وأفرده
بالعبادة, ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكا, كما فَعَلَتْ عَبَدة الأوثان.

***********************



أما قوله: ( مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) فالتوحيد, والدين منصوب بوقوع مخلصا عليه.
وقوله: ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )
يقول تعالى ذكره: ألا لله العبادة والطاعة وحده لا شريك له, خالصة لا شرك
لأحد معه فيها, فلا ينبغي ذلك لأحد, لأن كل ما دونه ملكه, وعلى المملوك
طاعة مالكه لا من لا يملك منه شيئا.


****************************
.
وقوله: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )
يقول تعالى ذكره: والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُم,
ويعبدونهم من دون الله, يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا
إلى الله زُلْفَى, قربة ومنـزلة, وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا، وهي فيما
ذُكر في قراءة أبي: « ما نَعْبُدُكُمْ » , وفي قراءة عبد الله: ( قالوا ما نعبدهم )
وإنما حسن ذلك لأن الحكاية إذا كانت بالقول مضمرا كان أو ظاهرا, جعل
الغائب أحيانا كالمخاطب, ويترك أخرى كالغائب, وقد بيَّنت ذلك في موضعه فيما
مضى.

************************
وقوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا" يقول سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين.

********************
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )
يقول تعالى ذكره: إن الله يفصل بين هؤلاء الأحزاب الذين اتخذوا في الدنيا
من دون الله أولياء يوم القيامة, فيما هم فيه يختلفون في الدنيا من عبادتهم
ما كانوا يعبدون فيها, بأن يصليهم جميعا جهنم, إلا من أخلص الدين لله,
فوحده, ولم يشرك به شيئا.


************************************************
قال الطبري رحمه الله ":



القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ( 3 )
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ
مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 4 )

يقول تعالى ذكره: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي ) إلى الحق ودينه الإسلام, والإقرار بوحدانيته, فيوفقه له ( مَنْ هُوَ كَاذِبٌ ) مفتر على الله, يتقول عليه الباطل, ويضيف إليه ما ليس من صفته, ويزعم أن له ولدا افتراء عليه, كفار لنعمه, جحودا لربوبيته.


**************************
وقوله: ( لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ) يقول تعالى ذكره: لو شاء الله اتخاذ ولد, ولا ينبغي له ذلك, لاصطفى مما يخلق ما يشاء, يقول: لاختار من خلقه ما يشاء. وقوله: ( سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) يقول: تنـزيها لله عن أن يكون له ولد, وعما أضاف إليه المشركون به من شركهم ( هُوَ اللَّهُ )
يقول: هو الذي يَعْبده كلّ شيء, ولو كان له ولد لم يكن له عبدا, يقول:
فالأشياء كلها له ملك, فأنى يكون له ولد, وهو الواحد الذي لا شريك له في
ملكه وسلطانه, والقهار لخلقه بقدرته, فكل شيء له متذلل, ومن سطوته خاشع.


****************************
قال الطبري رحمه الله ":



القول في تأويل قوله تعالى : خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى
النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ
الْغَفَّارُ ( 5 )

يقول تعالى ذكره واصفا نفسه بصفتها: ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْل ) يقول: يغشي هذا على هذا, وهذا على هذا, كما قال يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ



**********************************


وقوله: ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) يقول تعالى ذكره: وسخر الشمس والقمر لعباده, ليعلموا بذلك عدد السنين والحساب, ويعرفوا الليل من النهار لمصلحة معاشهم ( كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ) يقول: ( كُلّ ) ذلك يعني الشمس والقمر ( يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى )
يعني إلى قيام الساعة, وذلك إلى أن تكوّر الشمس, وتنكدر النجوم. وقيل:
معنى ذلك: أن لكل واحد منهما منازل, لا تعدوه ولا تقصر دونه ( أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ )
يقول تعالى ذكره: ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقه هذه
النعم هو العزيز في انتقامه ممن عاداه, الغفار لذنوب عباده التائبين إليه
منها بعفوه لهم عنها.
************************************************** ****


القول في تأويل قوله تعالى : خَلَقَكُمْ
مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ
مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى
تُصْرَفُونَ ( 6 )

يقول تعالى ذكره: ( خَلَقَكُمْ ) أيها الناس ( مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) يعني من آدم ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) يقول: ثم جعل من آدم زوجه حواء, وذلك أن الله خلقها من ضِلَع من أضلاعه.

#############

فإن قال قائل: وكيف قيل: خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها
زوجها؟ وإنما خلق ولد آدم من آدم وزوجته, ولا شك أن الوالدين قبل الولد,
فإن في ذلك أقوالا أحدها أن يقال: قيل ذلك لأنه رُوي عن رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « إنَّ الله لَمَّا خَلَقَ
آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ , فَأَخْرَجَ كُلَّ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إلى
يَوْمِ القِيَامَةِ, ثُمَّ أسْكَنَهُ بَعْدَ ذلك الجَنَّةَ, وَخَلَقَ
بَعْدَ ذلك حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أضْلاعِهِ »
فهذا قول.
والآخر: أن العرب ربما أخبر الرجل منهم عن رجل بفعلين, فيرد الأول منهما في
المعنى بثم, إذا كان من خبر المتكلم, كما يقال: قد بلغني ما كان منك
اليوم, ثم ما كان منك أمس أعجب, فذلك نسق من خبر المتكلم. والوجه الآخر: أن
يكون خلقه الزوج مردودا على واحدها, كأنه قيل: خلقكم من نفس وحدها ثم جعل
منها زوجها, فيكون في واحدة معنى: خلقها وحدها, كما قال الراجز:
أَعْدَدْتُـــهُ للْخَــصْمِ ذِي التَّعَــدِّي كَوَّحْتَــهُ مِنْــكَ بِــدُونِ الجَــهْدِ
بمعنى: الذي إذا تعدى كوّحته, ومعنى: كوحته: غلبته.
والقول الذي يقوله أهل العلم أولى بالصواب, وهو القول الأول الذي ذكرت أنه
يقال: إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه قبل أن يخلق حوّاء, وبذلك جاءت
الرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ,
والقولان الآخران على مذاهب أهل العربية.
############################


وقوله: ( وَأَنـزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ )
يقول تعالى ذكره: وجعل لكم من الأنعامِ ثمانية أزواج من الإبل زوجين, ومن
البقر زوجين, ومن الضأن اثنين, ومن المعْز اثنين, كما قال جل ثناؤه:
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ
اثْنَيْنِ .


############################
وقوله: ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ )
يقول تعالى ذكره: يبتدئ خلقكم أيها الناس في بطون أمهاتكم خلقا من بعد
خلق, وذلك أنه يحدث فيها نطفة, ثم يجعلها علقة, ثم مضغة, ثم عظاما, ثم يكسو
العظام لحما, ثم يُنْشئه خلقا آخر, تبارك الله وتعالى, فذلك خلقه إياه
خلقا بعد خلق.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يخلقكم في بطون أمهاتكم من بعد خلقه إياكم في ظهر آدم, قالوا: فذلك هو الخلق من بعد الخلق.

####################
وأولى القولين في ذلك بالصواب, القول الذي قاله عكرمة ومجاهد, ومن قال في
ذلك مثل قولهما, لأن الله جلّ وعزّ أخبر أنه يخلقنا خلقا من بعد خلق في
بطون أمهاتنا في ظلمات ثلاث, ولم يخبر أنه يخلقنا فى بطون أمهاتنا من بعد
خلقنا في ظهر آدم, وذلك نحو قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ
سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ... الآية.
#####################


وقوله: ( فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ) يعني: في ظلمة البطْن, وظلمة الرّحِم, وظُلْمة المَشِيمَة.
########################

.
وقوله: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ) يقول
تعالى ذكره: هذا الذي فعل هذه الأفعال أيها الناس هو ربكم, لا من لا يجلب
لنفسه نفعا, ولا يدفع عنها ضرّا, ولا يسوق إليكم خيرا, ولا يدفع عنكم سوءا
من أوثانكم وآلهتكم.
وقوله: ( لَهُ الْمُلْكُ ) يقول جلّ وعزّ: لربكم
أيها الناس الذي صفته ما وصف لكم, وقُدرته ما بين لكم المُلك, ملك الدنيا
والآخرة وسلطانهما لا لغيره، فأما ملوك الدنيا فإنما يملك أحدهما شيئا دون
شيء, فإنما له خاص من الملك. وأما المُلك التام الذي هو المُلك بالإطلاق
فلله الواحد القهار.

#############################

وقوله: ( لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) يقول تعالى ذكره: لا ينبغي أن يكون معبود سواه, ولا تصلح العبادة إلا له ( فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) يقول تعالى ذكره: فأنى تصرفون أيها الناس فتذهبون عن عبادة ربكم, الذي هذه الصفة صفته, إلى عبادة من لا ضر عنده لكم ولا نفع.

#####################
القول في تأويل قوله تعالى : إِنْ
تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ
الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 7 )

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ )
فقال بعضهم: ذلك لخاص من الناس, ومعناه: إن تكفروا أيها المشركون بالله,
فإن الله غني عنكم, ولا يرضى لعباده المؤمنين الذين أخلصهم لعبادته وطاعته
الكفر. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) يعني الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم, فيقولوا: لا إله إلا الله, ثم قال: ( وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ )
وهم عباده المخلصون الذين قال فيهم: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ
عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله وحببها إليهم.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ) قال: لا يرضى لعباده المؤمنين أن يكفروا.

##############################

وقال آخرون: بل ذلك عام لجميع الناس, ومعناه: أيها الناس إن تكفروا, فإن الله غني عنكم, ولا يرضى لكم أن تكفروا به.
والصواب من القول في ذلك ما قال الله جلّ وعزّ: إن تكفروا بالله أيها
الكفار به, فإن الله غني عن إيمانكم وعبادتكم إياه, ولا يرضى لعباده الكفر,
بمعنى: ولا يرضى لعباده أن يكفروا به, كما يقال: لست أحب الظلم, وإن أحببت
أن يظلم فلان فلانا فيعاقب.
وقوله: ( وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )
يقول: وإن تؤمنوا بربكم وتطيعوه يرض شكركم له, وذلك هو إيمانهم به وطاعتهم
إياه, فكنى عن الشكر ولم يُذْكر, وإنما ذكر الفعل الدالّ عليه, وذلك نظير
قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا
لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا بمعنى: فزادهم قول الناس لهم
ذلك إيمانا.

##############.
وقوله: ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )
يقول: لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها, ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها, يعلم
عز وجل عباده أن على كل نفس ما جنت, وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها.

######################
وقوله: ( ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: ثم بعد اجتراحكم في الدنيا ما اجترحتم من صالح وسيئ, وإيمان وكفر أيها الناس, إلى ربكم مصيركم من بعد وفاتكم, ( فَيُنَبِّئُكُمْ )
يقول: فيخبركم بما كنتم في الدنيا تعملونه من خير وشر, فيجازيكم على كل
ذلك جزاءكم, المحسن منكم بإحسانه, والمسيء بما يستحقه، يقول عز وجل لعباده:
فاتقوا أن تلقوا ربكم وقد عملتم في الدنيا بما لا يرضاه منكم فتهلكوا,
فإنه لا يخفى عليه عمل عامل منكم.
وقوله: ( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )
يقول تعالى ذكره: إن الله لا يخفى عليه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مما لا
تدركه أعينكم, فكيف بما أدركته العيون ورأته الأبصار. وإنما يعني جلّ وعزّ
بذلك الخبر عن أنه لا يخفى عليه شيء, وأنه محص على عباده أعمالهم,
ليجازيهم بها كي يتقوه في سرّ أمورهم وعلانيتها.

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذَا
مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا
خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ
وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ
بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ( 8 )

يقول تعالى ذكره: وإذا مَسَّ الإنسان بلاء في جسده من مرض, أو عاهة, أو شدّة في معيشته, وجهد وضيق ( دَعَا رَبَّهُ ) يقول: استغاث بربه الذي خلقه من شدة ذلك, ورغب إليه في كشف ما نـزل به من شدة ذلك. وقوله: ( مُنِيبًا إِلَيْهِ ) يقول: تائبا إليه مما كان من قبل ذلك عليه من الكفر به, وإشراك الآلهة والأوثان به في عبادته, راجعا إلى طاعته.

#################
وقوله: ( ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ )
يقول تعالى ذكره: ثم إذا منحه ربه نعمة منه, يعني عافية, فكشف عنه ضرّه,
وأبدله بالسقم صحة, وبالشدة رخاء. والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو
غيره: قد خوّله، ومنه قول أبي النجْم العِجْلِيّ:
أعْطَــى فَلَــمْ يَبْخَـلْ وَلَـمْ يُبَخَّـل كُــومَ الـذرَا مِـنْ خَـوَلِ المَخَـوِّلِ

وحُدثت عن أبي عُبيدة معمر بن المثنى أنه قال: سمعت أبا عمرو يقول في بيت زُهَيْر:
هُنَـالِكَ إنْ يُسْـتَخْوَلُوا المَـالَ يُخْـوِلوا وَإِنْ يُسْـأَلُوا يُعْطـوا وَإنْ يَيْسِروا يُغْلُوا
قال معمر: قال يونس: إنما سمعناه:
هُنَالكَ إنْ يُسْتَخْبِلُوا المَالَ يُخْبِلوا
قال: وهي بمعناها.
################

وقوله: ( نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ) يقول: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ ( وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا ) يعني: شركاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
**************************

ولـ « ما » التي في قوله: ( نَسِيَ مَا كَانَ )
وجهان: أحدهما: أن يكون بمعنى الذي , ويكون معنى الكلام حينئذ: ترك الذي
كان يدعوه في حال الضر الذي كان به, يعني به الله تعالى ذكره, فتكون « ما » موضوعة عند ذلك موضع « من »
كما قيل: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ يعني به الله, وكما قيل:
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . والثاني: أن يكون بمعنى
المصدر على ما ذكرت. وإذا كانت بمعنى المصدر, كان في الهاء التي في قوله: ( إِلَيْهِ ) وجهان: أحدهما: أن يكون من ذكر ما. والآخر: من ذكر الربّ.
وقوله: ( وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا ) يقول: وجعل لله أمثالا وأشباها.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي جعلوها فيه له أندادا, قال بعضهم: جعلوها له أندادا في طاعتهم إياه في معاصي الله.

وقال آخرون: عنى بذلك أنه عبد الأوثان, فجعلها لله أندادا في عبادتهم إياها.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى به أنه أطاع الشيطان في
عبادة الأوثان, فحصل له الأوثان أندادا, لأن ذلك في سياق عتاب الله إياهم
له على عبادتها.
وقوله: ( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) يقول: ليزيل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به عن توحيده, والإقرار به, والدخول في الإسلام. وقوله: ( قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد
لفاعل ذلك: تمتع بكفرك بالله قليلا إلى أن تستوفي أجلك, فتأتيك منيتك ( إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) : أي إنك من أهل النار الماكثين فيها. وقوله: ( تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ ) : وعيد من الله وتَهَدُّدٌ.


***************************************

القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ
مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ
الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو
الأَلْبَابِ ( 9 )

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( أَمِنَ ) فقرأ ذلك بعض المكيين وبعض المدنيين وعامة الكوفيين: « أمن » بتخفيف الميم، ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان: أحدهما أن يكون الألف في « أمَّنْ »
بمعنى الدعاء, يراد بها: يا من هو قانت آناء الليل, والعرب تنادي بالألف
كما تنادي بيا, فتقول: أزيد أقبل, ويا زيد أقبل، ومنه قول أوس بن حجر:
أبَنِـــي لُبَيْنَـــى لَسْــتُم بِيَــدٍ إلا يَـــدٌ لَيْسَــتْ لَهَــا عَضُــدُ
وإذا وجهت الألف إلى النداء كان معنى الكلام: قل تمتع أيها الكافر بكفرك
قليلا إنك من أصحاب النار, ويا من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما إنك من
أهل الجنة, ويكون في النار عمى للفريق الكافر عند الله من الجزاء في
الآخرة, الكفاية عن بيان ما للفريق المؤمن, إذ كان معلوما اختلاف أحوالهما
في الدنيا, ومعقولا أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الآخر
من أصحاب الجنة, فحذف الخبر عما له, اكتفاءً بفهم السامع المراد منه من
ذكره, إذ كان قد دلّ على المحذوف بالمذكور. والثاني: أن تكون الألف التي في
قوله: « أمن » ألف استفهام, فيكون معنى
الكلام: أهذا كالذي جعل لله أندادا ليضلّ عن سبيله, ثم اكتفى بما قد سبق من
خبر الله عن فريق الكفر به من أعدائه, إذ كان مفهوما المراد بالكلام, كما
قال الشاعر:
فَأُقْسِــمُ لَـوْ شَـيْءٌ أتَانَـا رَسُـولُهُ سِـوَاكَ وَلَكِـنْ لَـمْ نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعا
فحذف لدفعناه وهو مراد في الكلام إذ كان مفهوما عند السامع مراده. وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: ( أمَّن ) بتشديد الميم, بمعنى: أم من هو؟ ويقولون: إنما هي ( أمَّن )
استفهام اعترض في الكلام بعد كلام قد مضى, فجاء بأم، فعلى هذا التأويل يجب
أن يكون جواب الاستفهام متروكا من أجل أنه قد جرى الخبر عن فريق الكفر,
وما أعدّ له في الآخرة, ثم أتبع الخبر عن فريق الإيمان, فعلم بذلك المراد,
فاستغني بمعرفة السامع بمعناه من ذكره, إذ كان معقولا أن معناه: هذا أفضل
أم هذا؟.
والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علماء من القرّاء مع صحة
كل واحدة منهما في التأويل والإعراب, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين, والصواب من القول عندنا فيما مضى قبل في معنى
القانت, بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا نذكر بعض أقوال أهل
التأويل في ذلك في هذا الموضع, ليعلم الناظر في الكتاب اتفاق معنى ذلك في
هذا الموضع وغيره, فكان بعضهم يقول: هو في هذا الموضع قراءة القارئ قائما
في الصلاة.

وقال آخرون: هو الطاعة.

######################
وقوله: ( آنَاءَ اللَّيْلِ ) يعني: ساعات الليل.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( أمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ ) أوله, وأوسطه, وآخره.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( آنَاءَ اللَّيْلِ ) قال: ساعات الليل.
وقد مضى بياننا عن معنى الآناء بشواهده, وحكاية أقوال أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: ( سَاجِدًا وَقَائِمًا ) يقول: يقنت ساجدا أحيانا, وأحيانا قائما, يعني: يطيع، والقنوت عندنا الطاعة, ولذلك نصب قوله: ( سَاجِدًا وَقَائِمًا ) لأن معناه: أمَّن هو يقنت آناء الليل ساجدا طورا, وقائما طورا, فهما حال من قانت.
وقوله: ( يَحْذَرُ الآخِرَةَ ) يقول: يحذر عذاب
الآخرة. كما حدثنا عليّ بن الحسن الأزديّ. قال: ثنا يحيى بن اليمان, عن
أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في قوله: ( يَحْذَرُ الآخِرَةَ ) قال: يحذر عقاب الآخرة, ويرجو رحمة ربه, يقول: ويرجو أن يرحمه الله فيدخله الجنة.
وقوله: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لقومك: هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في
طاعتهم لربهم من الثواب, وما عليهم في معصيتهم إياه من التبعات, والذين لا
يعلمون ذلك, فهم يخبطون في عشواء, لا يرجون بحسن أعمالهم خيرا, ولا يخافون
بسيئها شرا؟ يقول: ما هذان بمتساويين.
وقد رُوي عن أبي جعفر محمد بن عليّ في ذلك ما حدثني محمد بن خلف, قال: ثني
نصر بن مزاحم, قال: ثنا سفيان الجريري, عن سعيد بن أبي مجاهد, عن جابر, عن
أبي جعفر, رضوان الله عليه ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) قال: نحن الذين يعلمون, وعدونا الذين لا يعلمون.
وقوله: ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ) يقول تعالى ذكره: إنما يعتبر حجج الله, فيتعظ, ويتفكر فيها, ويتدبرها أهل العقول والحجى, لا أهل الجهل والنقص في العقول.

القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ
يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا
فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 10 )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( قُلْ ) يا محمد لعبادي الذين آمنوا: ( يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله, وصدقوا رسوله ( اتَّقُوا رَبَّكُمُ ) بطاعته واجتناب معاصيه ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة )
ثم اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: للذين أطاعوا الله حسنة في هذه الدُّنْيا، وقال « في » من صلة حسنة, وجعل معنى الحسنة: الصحة والعافية.


وقال آخرون « في » من صلة أحسنوا, ومعنى الحسنة: الجنة.


#################
وقوله: ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ) يقول تعالى ذكره: وأرض الله فسيحة واسعة, فهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.
.

##################
وقوله: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) يقول تعالى ذكره: إنما يعطي الله أهل الصبر على ما لقوا فيه في الدنيا أجرهم في الآخرة بغير حساب، يقول: ثوابهم بغير حساب.

#####################
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ( 11 ) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ( 12 ) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 13 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد
لمشركي قومك: إن الله أمرني أن أعبده مفردا له الطاعة, دون كلّ ما تدعون من
دونه من الآلهة والأنداد

###############

( وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ )
: يقول: وأمرني ربي جل ثناؤه بذلك, لأن أكون بفعل ذلك أوَّل من أسلم منكم,
فخضع له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ من كل ما دونه من الآلهة.


##################
وقوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) : يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته, مخلصا له الطاعة, ومفرده بالربوبية. ( عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) : يعني عذاب يوم القيامة, ذلك هو اليوم الذي يعظم هوله.

##################################

القول في تأويل قوله تعالى : قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ( 14 )
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ( 15 )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا, مفردا له طاعتي وعبادتي, لا
أجعل له في ذلك شريكا, ولكني أفرده بالألوهة, وأبرأ مما سواه من الأنداد
والآلهة, فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام, وغير ذلك
مما تعبدون من سائر خلقه, فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
قل يا محمد لمشركي قومك: الله أعبد مخلصا, مفردا له طاعتي وعبادتي, لا
أجعل له في ذلك شريكا, ولكني أفرده بالألوهة, وأبرأ مما سواه من الأنداد
والآلهة, فاعبدوا أنتم أيها القوم ما شئتم من الأوثان والأصنام, وغير ذلك
مما تعبدون من سائر خلقه, فستعلمون وبال عاقبة عبادتكم ذلك إذا لقيتم ربكم.


##########################

وقوله: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ )
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهم: إن الهالكين الذين غَبَنوا أنفسهم,
وهلكت بعذاب الله أهلوهم مع أنفسهم, فلم يكن لهم إذ دخلوا النار فيها أهل,
وقد كان لهم في الدنيا أهلون.



####################
وقوله: ( أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )
يقول تعالى ذكره: ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم
القيامة, وذلك هلاكها هو الخسران المبين, يقول تعالى ذكره: هو الهلاك الذي
يبين لمن عاينه وعلمه أنه الخسران.


#####################

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ( 16 ) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ( 17 )
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ
الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ( 18 )

يقول تعالى ذكره لهؤلاء الخاسرين يوم القيامة في جهنم: ( مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ) وذلك كهيئة الظلل المبنية من النار ( وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ )
يقول: ومن تحتهم من النار ما يعلوهم, حتى يصير ما يعلوهم منها من تحتهم
ظللا وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه لَهُمْ: مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ
فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ يغشاهم مما تحتهم فيها من المهاد.


##################
وقوله: ( ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ )
يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس به, مما للخاسرين يوم
القيامة من العذاب, تخويف من ربكم لكم, يخوفكم به لتحذروه, فتجتنبوا
معاصيه, وتنيبوا من كفركم إلى الإيمان به, وتصديق رسوله, واتباع أمره
ونهيه, فتنجوا من عذابه في الآخرة ( فَاتَّقُونِ ) يقول: فاتقوني بأداء فرائضي عليكم, واجتناب معاصيّ, لتنجوا من عذابي وسخطي.

#####################

وقوله: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ )
: أي اجتنبوا عبادة كلّ ما عبد من دون الله من شيء. وقد بيَّنا معنى
الطاغوت فيما مضى قبل بشواهد ذلك, وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه بما أغنى
عن إعادته في هذا الموضع, وذكرنا أنه في هذا الموضع: الشيطان, وهو في هذا
الموضع وغيره بمعنى واحد عندنا.

# : قال ابن زيد, في قوله: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ) قال: الشيطان هو ها هنا واحد وهي جماعة.
والطاغوت على قول ابن زيد هذا واحد مؤنث, ولذلك قيل: أن يعبدوها. وقيل: إنما أُنثت لأنها في معنى جماعة.
##################

وقوله: ( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) يقول: وتابوا إلى الله ورجعوا إلى الإقرار بتوحيده, والعمل بطاعته, والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد. .

##################
وقوله: ( لَهُمُ الْبُشْرَى ) يقول: لهم البشرى في الدنيا بالجنة في الآخرة ( فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ )
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فبشر يا محمد
عبادي الذين يستمعون القول من القائلين, فيتبعون أرشده وأهداه, وأدله على
توحيد الله, والعمل بطاعته, ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على
رشاد, ولا يهدي إلى سداد.


################
وقوله: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ )
يقول تعالى ذكره: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, الذين هداهم الله,
يقول: وفقهم الله للرشاد وإصابة الصواب, لا الذين يعرضون عن سماع الحقّ,
ويعبدون ما لا يضرّ, ولا ينفع. وقوله: ( أُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ ) يعني: أولو العقول والحجا.

وذُكر أن هذه الآية نـزلت في رهط معروفين وحَّدوا الله,
وبرئوا من عبادة كل ما دون الله قبل أن يُبعث نبيّ الله, فأنـزل الله هذه
الآية على نبيه يمدحهم.


################
القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ( 19 )
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا
غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا
يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ( 20 )

يعني تعالى ذكره بقوله: ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) : أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به.
################

وقوله: ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أفأنت تنقذ يا
محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب, فأنت تنقذه، فاستغنى بقوله: ( تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) عن هذا.


###############
وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هذا مما يراد به استفهام واحد,
فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه, فيرد الاستفهام إلى موضعه الذي هو له.
وإنما المعنى والله أعلم: أفأنت تنقذ من في النار من حقَّت عليه كلمة
العذاب. قال: ومثله من غير الاستفهام: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا
مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ فردد « أنكم » مرتين.



والمعنى والله أعلم: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، ومثله
قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ
أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ
مِنَ الْعَذَابِ وكان بعضهم يستخطئ القول الذي حكيناه عن البصريين, ويقول:
لا تكون في قوله: ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ )
كناية عمن تقدّم, لا يقال: القوم ضربت من قام, يقول: المعنى: ألتجزئة
أفأنت تُنْقذ من في النار منهم. وإنما معنى الكلمة: أفأنت تهدي يا محمد من
قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان, فتنقذه من النار
بالإيمان؟ لست على ذلك بقادر.


###################################

وقوله: ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّة ) يقول تعالى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب محارمه, لهم في الجنة غرف من فوقها غرف مبنية علاليّ بعضها فوق بعض ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول تعالى ذكره: تجري من تحت أشجار جناتها الأنهار.
################

وقوله: ( وَعَدَ اللَّهُ ) يقول جل ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التي من فوقها غرف مبنية في الجنة, هؤلاء المتقين ( لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ) يقول جل ثناؤه: والله لا يخلفهم وعده, ولكنه يوفي بوعده.

#####################

القول في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ
فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ
يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ ( 21 )

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد ( أَنَّ اللَّهَ أَنـزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) وهو المطر ( فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ) يقول: فأجراه عيونا في الأرض، واحدها ينبوع, وهو ما جاش من الأرض.
# , عن الحسن بن مسلم بن بيان, قال: ثم أنبت بذلك الماء الذي أنـزله من السماء فجعله في الأرض عيونا زرعا ( مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ) يعني: أنواعا مختلفة من بين حنطة وشعير وسمسم وأرز, ونحو ذلك من الأنواع المختلفة ( ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) يقول: ثم ييبس ذلك الزرع من بعد خُضرته, يقال للأرض إذا يبس ما فيها من الخضر وذوى: هاجت الأرض, وهاج الزرع.

##################
وقوله: ( فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) يقول: فتراه من بعد خُضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر, وكذلك الزرع إذا يبس اصفرّ ( ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ) والحطام: فتات التبن والحشيش, يقول: ثم يجعل ذلك الزرع بعد ما صار يابسا فُتاتا متكسرا.

######################
وقوله: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ )
يقول تعالى ذكره: إن في فعل الله ذلك كالذي وصف لذكرى وموعظة لأهل العقول
والحجا يتذكرون به, فيعلمون أن من فعل ذلك فلن يتعذر عليه إحداث ما شاء من
الأشياء, وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض, وإحياء من هلك من خلقه من
بعد مماته وإعادته من بعد فنائه, كهيئته قبل فنائه, كالذي فعل بالأرض التي
أنـزل عليها من بعد موتها الماء, فأنبت بها الزرع المختلف الألوان بقدرته.


###################################

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَمَنْ
شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ
فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي
ضَلالٍ مُبِينٍ ( 22 )

يقول تعالى ذكره: أفمن فسح الله قلبه لمعرفته, والإقرار بوحدانيته, والإذعان لربوبيته, والخضوع لطاعته ( فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ )
يقول: فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين, بتنوير الحق في قلبه, فهو لذلك
لأمر الله متبع, وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه, كمن أقسى الله قلبه,
وأخلاه من ذكره, وضيقه عن استماع الحق, واتباع الهدى, والعمل بالصواب؟ وترك
ذكر الذي أقسى الله قلبه, وجواب الاستفهام اجتزاء بمعرفة السامعين المراد
من الكلام, إذ ذكر أحد الصنفين, وجعل مكان ذكر الصنف الآخر الخبر عنه
بقوله: ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) .


####################.
قوله: ( فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ )
يقول تعالى ذكره: فويل للذين جفت قلوبهم ونأت عن ذكر الله وأعرضت, يعني عن
القرآن الذي أنـزله تعالى ذكره, مذكرا به عباده, فلم يؤمن به, ولم يصدّق
بما فيه. وقيل: ( مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) والمعنى: عن ذكر الله, فوضعت « مِنْ » مكان « عن » , كما يقال في الكلام: أتخمت من طعام أكلته, وعن طعام أكلته بمعنى واحد.

#####################

وقوله: ( أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره: هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله في ضلال مبين, لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق جائر.

####################

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ
نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ
مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ
وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ
مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ( 23 )

يقول تعالى ذكره: ( اللَّهُ نـزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ) يعني به القرآن ( مُتَشَابِهًا ) يقول: يشبه بعضه بعضا, لا اختلاف فيه, ولا تضادّ.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( اللَّهُ نـزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) الآية تشبه الآية, والحرف يشبه الحرف.
حدثنا محمَّد قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) قال: المتشابه: يشبه بعضه بعضا.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير, في قوله: ( كِتَابًا مُتَشَابِهًا ) قال: يشبه بعضه بعضا, ويصدّق بعضه بعضا, ويدلّ بعضه على بعض.

########################

وقوله: ( مَثَانِيَ ) يقول: تُثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج.
.
#####################

وقوله: ( تَق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:15 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

تأويل سورة غافر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:15 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


تأويل سورة فصلت

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:16 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]





تفسير سورة الشورى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الرحيم



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : حم ( 1 ) عسق ( 2 ) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 3 )
قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معاني حروف الهجاء التي
افتتحت بها أوائل ما افتتح بها من سور القرآن, وبينا الصواب من قولهم في
ذلك عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع إذ كانت هذه الحروف
نظيرة الماضية منها.

وقد ذكرنا عن حُذيفة في معنى هذه خاصة قولا وهو ما حدثنا به
أحمد بن زهير, قال: ثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي, قال: ثنا أبو المُغيرة
عبد القدوس بن الحجاج الحمصي, عن أرطأة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن
عباس, فقال له وعنده حُذيفة بن اليمان, أخبرني عن تفسير قول الله: ( حم عسق )
قال: فأطرق ثم أعرض عنه, ثم كرّر مقالته فأعرض فلم يجبه بشيء وكره مقالته,
ثم كرّرها الثالثة فلم يجبه شيئا, فقال له حُذيفة: أنا أنبئك بها, قد عرفت
بم كرهها; نـزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبد الله ينـزل
على نهر من أنهار المشرق, تبنى عليه مدينتان يشقّ النهر بينهما شقا, فإذا
أذن الله في زوال مُلكهم, وانقطاع دولتهم ومدتهم, بعث الله على إحداهما
نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت, كأنها لم تكن مكانها, وتصبح
صاحبتها متعجبة, كيف أفلتت, فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل
جبار عنيد منهم, ثم يخسف الله بها وبهم جميعا, فذلك قوله: ( حم عسق ) يعني: عزيمة من الله وفتنة وقضاء حم, عين: يعني عدلا منه, سين: يعني سيكون, وقاف: يعني واقع بهاتين المدينتين.

وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرأه « حم. سق »
بغير عين, ويقول: إن السين: عمر كل فرقة كائنة وإن القاف: كل جماعة كائنة;
ويقول: إن عليا إنما كان يعلم العين بها. وذُكر أن ذلك في مصحف عبد الله
على مثل الذي ذكر عن ابن عباس من قراءته من غير عين.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) يقول تعالى ذكره: هكذا يوحي إليك يا محمد وإلى الذين من قبلك من أنبيائه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقيل: إن حم عين سين قد أوحيت إلى كل نبي بعث, كما أوحيت إلى نبينا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, ولذلك قيل: ( كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ ) في انتقامه من أعدائه ( الحَكِيمُ ) في تدبيره خلقه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( 4 )
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ
أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 5 )

يقول تعالى ذكره: ( لِلَّهِ ) ملك ( مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) من الأشياء كلها ( وَهُوَ الْعَلِيُّ ) يقول: وهو ذو علوّ وارتفاع على كل شيء, والأشياء كلها دونه, لأنهم في سلطانه, جارية عليهم قدرته, ماضية فيهم مشيئته ( الْعَظِيمُ ) الذي له العظمة والكبرياء والجبرية.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ) يقول تعالى ذكره: تكاد السموات يتشققن من فوق الأرضين, من عظمة الرحمن وجلاله.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يقول تعالى ذكره: والملائكة يصلون بطاعة ربهم وشكرهم له من هيبة جلاله وعظمته.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ ) يقول: ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أهل الإيمان به.
.
يقول الله عزّ وجلّ: ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده, الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ( 6 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ) يا محمد من مشركي قومك ( مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ) آلهة يتولونها ويعبدونها ( اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ ) يحصي عليهم أفعالهم, ويحفظ أعمالهم, ليجازيهم بها يوم القيامة جزاءهم. ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ )
يقول: ولست أنت يا محمد بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم, إنما أنت منذر, فبلغهم ما أرسلت به إليهم, فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى
وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي
الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ( 7 )

يقول تعالى ذكره: وهكذا ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يا محمد ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا )
بلسان العرب, لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب, فأوحينا إليك هذا القرآن
بألسنتهم, ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره, لأنا لا نرسل رسولا إلا بلسان
قومه, ليبين لهم ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ) وهي مكة ( وَمَنْ حَوْلَهَا ) يقول: ومن حول أم القرى من سائر الناس.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ )
يقول عزّ وجلّ: وتنذر عقاب الله في يوم الجمع عباده لموقف الحساب والعرض.
وقيل: وتنذر يوم الجمع, والمعنى: وتنذرهم يوم الجمع, كما قيل: يخوّف
أولياءه, والمعنى: يخوّفكم أولياءه.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( لا رَيْبَ فِيهِ ) يقول: لا شكّ فيه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


وقوله: ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) يقول: منهم فريق في الجنة, وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله ( وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) يقول: ومنهم فريق في الموقدة من نار الله المسعورة على أهلها, وهم الذين كفروا بالله, وخالفوا ما جاءهم به رسوله.


# عن رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, قال: « خرج علينا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وفى يده كتابان, فقال: » هل تدرون ما هذا؟ « فقلنا: لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله, قال: » هَذَا كِتابٌ مِنْ رَبّ العَالمِينَ, فِيهِ أسْمَاءُ أهْلِ الجَنَّة, وأسْمَاءُ آبائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ «
, ثُمَّ أجْمَلَ على آخِرِهِمْ, فَلا يُزَاد فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ
مِنْهُمْ أبَدًا, وهَذَا كِتَابُ أهْلِ النَّارِ بأسْمائِهِمْ وأسْمَاءِ
آبَائِهِمْ »
, ثُمَّ أجْمَلَ على آخِرِهِمْ, « فَلا يُزَادُ ولا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَدًا »
, قال أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ففيم إذن نعمل إن
كان هذا أمر قد فُرغ منه؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «
بَلْ سَدِّدُوا وقَارِبُوا, فإنَّ صَاحبَ الجَنَّة يُخْتَمُ لَهُ بعَمَلِ
الْجَنَّةِ وإنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ, وَصَاحِبُ النَّارِ يُخْتَمُ لَه
بعَمَلِ النَّارِ وإنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ, فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ
العِبَادِ »
ثم قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بيديه فنبذهما: « فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الخَلْقِ, فَرِيقٌ في الجَنَّةِ, وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ » قالوا: سبحان الله, فلم نعمل وننصب؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « العَمَلُ إلى خَوَاتِمِهِ » .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

. وقيل: ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) فرفع. وقد تقدم الكلام قبل ذلك بقوله: ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) بالنصب, لأنه أريد به الابتداء, كما يقال: رأيت العسكر مقتول أو منهزم, بمعنى: منهم مقتول, ومنهم منهزم.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ
يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا
نَصِيرٍ ( 8 )

يقول تعالى ذكره: ولو أراد الله أن يجمع خلقه على هدى, ويجعلهم على ملة واحدة لفعل, و ( لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول: أهل ملة واحدة, وجماعة مجتمعة على دين واحد.
يقول: لم يفعل ذلك فيجعلهم أمة واحدة, ولكن يدخل من يشاء,
من عباده في رحمته, يعني أنه يدخله في رحمته بتوفيقه إياه للدخول في دينه,
الذي ابتعث به نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

يقول: والكافرون بالله ما لهم من ولي يتولاهم يوم القيامة,
ولا نصير ينصرهم من عقاب الله حين يعاقبهم, فينقذهم من عذابه, ويقتص لهم
ممن عاقبهم, وإنما قيل هذا لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تسلية
له عما كان يناله من الهمّ بتولية قومه عنه, وأمرا له بترك إدخال المكروه
على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم, فلم يستجب لما دعاه إليه من الحق,
وإعلاما له أن أمور عباده بيده, وأنه الهادي إلى الحق من شاء, والمضل من
أراد دونه, ودون كلّ أحد سواه.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 9 )
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ( 10 )

يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله أولياء من دون الله يتولونهم. ( فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ ) يقول: فالله هو وليّ أوليائه, وإياه فليتخذوا وليا لا الآلهة والأوثان, ولا ما لا يملك لهم ضرّا ولا نفعا. ( وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى ) يقول: والله يحيي الموتى من بعد مماتهم, فيحشرهم يوم القيامة. ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول: والله القادر على إحياء خلقه من بعد مماتهم وعلى غير ذلك, إنه ذو قدرة على كل شيء.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ )
يقول تعالى ذكره: وما اختلفتم أيها الناس فيه من شيء فتنازعتم بينكم,
فحكمه إلى الله. يقول: فإن الله هو الذي يقضي بينكم ويفصل فيه الحكم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
.
وقوله: ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ )
يقول لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء المشركين بالله هذا
الذي هذه الصفات صفاته ربي, لا آلهتكم التي تدعون من دونه, التي لا تقدر
على شيء ( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ) في أموري, وإليه فوضت أسبابي, وبه وثقت ( وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) يقول: وإليه أرجع في أموري وأتوب من ذنوبي.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


القول في تأويل قوله تعالى : فَاطِرُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( 11 )

يقول تعالى ذكره: ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) , خالق السموات السبع والأرض. كما:

************************************************** **.
وقوله: ( جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) يقول تعالى ذكره: زوّجكم ربكم من أنفسكم أزواجا. وإنما قال جلّ ثناؤه: ( مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم, فهو من الرجال. ( وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا )
يقول جلّ ثناؤه: وجعل لكم من الأنعام أزواجا من الضأن اثنين, ومن المعز
اثنين, ومن الإبل اثنين, ومن البقر اثنين, ذكورا وإناثا, ومن كل جنس من
ذلك. ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم, ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ) في هذا الموضع, فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه.


وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه.
ذكر من قال ذلك:
. وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل
توجيههما إلى معنى واحد, وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه, أراد
بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إياه, ونفخه
الروح فيه حتى يعيش حيا. وقد بينت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده
المغنية عن إعادته.

*****************************
وقوله: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )
فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء, وأدخل المثل في الكلام
توكيدًا للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف, وهما بمعنى واحد, كما قيل:

ما إن نديت بشيء أنت تكرهه
فأدخل على « ما » وهي حرف جحد « إن » وهي أيضًا حرف جحد, لاختلاف اللفظ بهما, وإن اتفق معناهما توكيدا للكلام, وكما قال أوس بن حجر:
وَقَتْــلَى كمِثْــلِ جــذُوعِ النَّخـيلْ تَغَشَّــــاهُمُ مُسْـــبِلٌ مُنْهَمِـــرْ
ومعنى ذلك: كجذوع النخيل, وكما قال الآخر:
سَـعْدُ بْـنُ زيـد إذَا أبْصَـرْتَ فَضْلَهُمُ مـا إن كـمِثْلِهِمِ فِـي النَّـاسِ مِنْ أحَدٍ
والآخر: أن يكون معناه: ليس مثل شيء, وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام, كقول الراجز:
* وَصَالِياتٍ كَكَما يُؤْثَفَيْنِ
فأدخل على الكاف كافا توكيدا للتشبيه, وكما قال الآخر:
تَنْفِــي الغَيــادِيقُ عَـلى الطَّـرِيقِ قَلَّــصَ عَــنْ كَبَيْضَـةٍ فِـي نِيـقِ
فأدخل الكاف مع « عن » , وقد بيَّنا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح, فلذلك تجوّزنا في البيان عنه في هذا الموضع.

**************************
وقوله: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )
يقول جلّ ثناؤه واصفا نفسه بما هو به, وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به
خلقه من قول, البصير لأعمالهم, لا يخفى عليه من ذلك شيء, ولا يعزب عنه علم
شيء منه, وهو محيط بجميعه, محصٍ صغيره وكبيره ( لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) من خير أو شرّ.

*********************
القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 12 )
يعني تعالى ذكره بقوله: ( لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ )
: له مفاتيح خزائن السموات والأرض وبيده مغاليق الخير والشر ومفاتيحها,
فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها, وما يمسك فلا مرسل له من بعده.

***************************
وقوله: ( يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) يقول: يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه, ويبسط له, ويكثر ماله ويغنيه. ويقدر: يقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيقه ويفقره. ( إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
يقول: إن الله تبارك وتعالى بكل ما يفعل من توسيعه على من يوسع, وتقتيره
على من يقتر, ومن الذي يُصلحه البسط عليه في الرزق, ويفسده من خلقه, والذي
يصلحه التقتير عليه ويفسده, وغير ذلك من الأمور, ذو علم لا يخفى عليه موضع
البسط والتقتير وغيره, من صلاح تدبير خلقه.

يقول تعالى ذكره: فإلى من له مقاليد السموات والأرض الذي
صفته ما وصفت لكم في هذه الآيات أيها الناس فارغبوا, وإياه فاعبدوا مخلصين
له الدين لا الأوثان والآلهة والأصنام, التي لا تملك لكم ضرّا ولا نفعا.

************************
القول في تأويل قوله تعالى : شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ
أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ( 13 )

يقول تعالى ذكره: ( شَرَعَ لَكُمْ ) ربكم أيها الناس ( مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) أن يعمله ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) يقول لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد, فأمرناك به ( وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) يقول: شرع لكم من الدين, أن أقيموا الدين فـ « أن » إذ كان ذلك معنى الكلام, في موضع نصب على الترجمة بها عن « ما » التي في قوله: ( مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ) . ويجوز أن تكون في موضع خفض ردّا على الهاء التي في قوله: ( بِهِ )
, وتفسيرا عنها, فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به
نوحا, أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه. وجائز أن تكون في موضع رفع على
الاستئناف, فيكون معنى الكلام حينئذ: شرع لكم من الدين ما وصى به, وهو أن
أقيموا الدين. وإذ كان معنى الكلام ما وصفت, فمعلوم أن الذي أوصى به جميع
هؤلاء الأنبياء وصية واحدة, وهي إقامة الدين الحق, ولا تتفرقوا فيه.


*********************
وعنى بقوله: ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ) أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض, كما قد بينا فيما مضى قبل في قوله: أَقِيمُوا الصَّلاةَ .

******************

وقوله: ( وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتم بالقيام به, كما اختلف الأحزاب من قبلكم.
******************

وقوله: ( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: كبر على
المشركين بالله من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة لله,
وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد.


*********************
وقوله: ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ) يقول: الله يصطفي إليه من يشاء من خلقه, ويختار لنفسه, وولايته من أحبّ.
**************************
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا
تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ
بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي
شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ( 14 )

يقول تعالى ذكره: وما تفرّق المشركون بالله في أديانهم
فصاروا أحزابا, إلا من بعد ما جاءهم العلم, بأن الذي أمرهم الله به, وبعث
به نوحا, هو إقامة الدين الحقّ, وأن لا تتفرّقوا فيه.


( بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) يقول: بغيا من بعضكم على بعض وحسدا وعداوة على طلب الدنيا.

( وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )
يقول جلّ ثناؤه: ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب, ولكنه
أخر ذلك إلى أجل مسمى, وذلك الأجل المسمى فيما ذُكر: يوم القيامة.

*****************
وقوله: ( لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ )
يقول: لفرغ ربك من الحكم بين هؤلاء المختلفين في الحق الذي بعث به نبيه
نوحا من بعد علمهم به, بإهلاكه أهل الباطل منهم, وإظهاره أهل الحقّ عليهم.

******************
وقوله: ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) يقول: وإن الذين أتاهم الله من بعد هؤلاء المختلفين في الحقّ كتابه التوراة والإنجيل. ( لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ) يقول: لفي شكّ من الدين الذين وصّى الله به نوحا, وأوحاه إليك يا محمد, وأمركما بإقامته مريب.
***********************
القول في تأويل قوله تعالى : فَلِذَلِكَ
فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ
آمَنْتُ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ
بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ
أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( 15 )

يقول تعالى ذكره: فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم, ووصّى به
نوحا, وأوحاه إليك يا محمد, فادع عباد الله, واستقم على العمل به, ولا تزغ
عنه, واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة. وقيل: فلذلك فادع, والمعنى: فإلى
ذلك, فوضعت اللام موضع إلى, كما قيل: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا وقد
بيَّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا.


**********************
وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك, في قوله: ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ )
إلى معنى هذا, ويقول: معنى الكلام: فإلى هذا القرآن فادع واستقم. والذي
قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه, غير أن الذي قلنا في ذلك أولى
بتأويل الكلام, لأنه في سياق خبر الله جلّ ثناؤه عما شرع لكم من الدين
لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بإقامته, ولم يأت من الكلام ما
يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره.

******************

******************

وقوله: ( وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ )
يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه
الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم, فتشك فيه,
كالذي شكوا فيه.

يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدّقت بما أنـزل الله من
كتاب كائنا ما كان ذلك الكتاب, توراة كان أو إنجيلا أو زبورا أو صحف
إبراهيم, لا أكذب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب, وتصديقكم ببعض.

*******************

وقوله: ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ )
يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر
الأحزاب, فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه.

*************
. والعدل ميزان الله في الأرض, به يأخذ للمظلوم من الظالم,
وللضعيف من الشديد, وبالعدل يصدّق الله الصادق, ويكذّب الكاذب, وبالعدل
يردّ المعتدي ويوبخه.


ذكر لنا أن نبي الله داود عليه السلام: كان يقول: ثلاث من
كن فيه أعجبني جدا: القصد في الفاقة والغنى, والعدل في الرضا والغضب,
والخشية في السر والعلانية; وثلاث من كن فيه أهلكه: شح مطاع, وهوى متبع,
وإعجاب المرء بنفسه. وأربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: لسان
ذاكر, وقلب شاكر, وبدن صابر, وزوجة مؤمنة.


****************
واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: ( وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ )
فقال بعض نحويي البصرة: معناها: كي, وأمرت كي أعدل; وقال غيره: معنى
الكلام: وأمرت بالعدل, والأمر واقع على ما بعده, وليست اللام التي في لأعدل
بشرط; قال: ( وَأُمِرْتُ ) تقع على « أن » وعلى « كي » واللام أمرت أن أعبد, وكي أعبد, ولأعبد. قال: وكذلك كلّ من طالب الاستقبال, ففيه هذه الأوجه الثلاثة.

والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل, لأن معناه: وأمرت بالعدل بينكم.

*********************
وقوله: ( اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ) يقول: الله مالكنا ومالكم معشر الأحزاب ما أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
يقول: لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال, ولكم ثواب ما اكتسبتم منها.
********************
وقوله: ( لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ) يقول: لا خصومة بيننا وبينكم. كما:

******************
وقوله: ( اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ) يقول: الله يجمع بيننا يوم القيامة, فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه. ( وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) يقول: وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا.


والله الموفق

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:24 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

تفسير سورة الزخرف
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الرحيم

***********************************************

قال الطبري رحمه الله "

القول في تأويل قوله تعالى : حم ( 1 ) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( 2 ) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ( 3 )
قد بينَّا فيما مضى قوله ( حم ) بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقوله: ( وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ) قسم من الله تعالى أقسم بهذا الكتاب الذي أنـزله على نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: ( وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ )
لمن تدبَّره وفكَّر في عبره وعظاته هداه ورشده وأدلته على حقيته, وأنه
تنـزيل من حكيم حميد, لا اختلاق من محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا
افتراء من أحد ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) يقول: إنا أنـزلناه قرآنا عربيا بلسان العرب, إذا كنتم أيها المنذرون به من رهط محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عربا ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يقول: معانيه وما فيه من مواعظ, ولم ينـزله بلسان العجم, فيجعله أعجميا, فتقولوا نحن: نحن عرب, وهذا كلام أعجمي لا نفقه معانيه.

########################

. قال الطبري رحمه الله "


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ( 4 )
يقول تعالى ذكره: وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ
هذا الكتاب عندنا لعليّ: يقول: لذو علوّ ورفعة, حكيم: قد أحكمت آياته, ثم
فصلت فهو ذو حكمة.

******************
وقوله: ( لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) وقد ذكرنا معناه.

******************
القول في تأويل قوله تعالى : أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ ( 5 )
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: أفنضرب
عنكم ونترككم أيها المشركون فيما تحسبون, فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم
قوم مشركون.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أفنترك تذكيركم بهذا القرآن, ولا نذكركم به, لأن كنتم قوما مسرفين.

*****************
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوّله: أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم, لأن كنتم قوما مسرفين لا تؤمنون بربكم.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية, لأن الله تبارك
وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الآية
في تكذيبها رسلها, وما أحل بها من نقمته, ففي ذلك دليل على أن


********************************
قال الطبري رحمه الله "


قوله: ( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا ) وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك, إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم.
**************************

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة « إنْ كُنْتُمْ » بكسر الألف من « إن » بمعنى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا إذ كنتم قوما مسرفين. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والكوفة وعامة قرّاء البصرة « أنْ » بفتح الألف من « أنْ » , بمعنى: لأن كنتم.

*****************

واختلف أهل العربية في وجه فتح الألف من أن في هذا الموضع,
فقال بعض نحويي البصرة: فتحت لأن معنى الكلام: لأن كنتم. وقال بعض نحويي
الكوفة: من فتحها فكأنه أراد شيئا ماضيا, فقال: وأنت تقول في الكلام: أتيت
أن حرمتني, تريد: إذ حرمتني, ويكسر إذا أردت: أتيت إن تحرمني. ومثله: وَلا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ و ( إِنْ صَدُّوكُمْ ) بكسر وبفتح.

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا قال: والعرب تنشد قول الفرزدق?
أتَجْــزَعُ أنْ أُذْنــا قُتَيْبَــةَ حُزَّتـا جِهـارًا وَلـمْ تَجْـزَعْ لقَتْـلِ ابنِ حَازِمِ
قال: وينشد?
أتَجْــزَعُ أنْ بـانَ الخَـلِيطُ المُـوَدّعُ وَحَـبْلُ الصَّفَـا مِـنْ عَـزَّةَ المُتَقَطِّـعُ
قال: وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح.
**************
قال الطبري رحمه الله "


والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الكسر والفتح في الألف
في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى, فبأيتهما
قرأ القارئ فمصيب, وذلك أن العرب إذا تقدم « أن »
وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحيانا, فمحضوا لها الجزاء,
فقالوا: أقوم إن قمت, وفتحوها أحيانا, وهم ينوون ذلك المعنى, فقالوا: أقوم
أن قمت بتأويل, لأن قمت, فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضيا لم يتكلموا
إلا بفتح الألف من « أن » فقالوا: قمت أن قمت, وبذلك جاء التنـزيل, وتتابع شعر الشعراء.


********************

قال الطبري رحمه الله "

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ ( 6 ) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 7 )

يقول تعالى ذكره: ( وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ ) يا محمد في القرون الأولين الذين مضوا قبل قرنك الذي بعثت فيه كما أرسلناك في قومك من قريش.

( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ )
يقول وما كان يأتي قرنا من أولئك القرون وأمة من أولئك الأمم الأولين لنا
من نبيّ يدعوهم إلى الهدى وطريق الحق, إلا كان الذين يأتيهم ذلك من تلك
الأمم نبيهم الذي أرسله إليهم يستهزئون سخرية منهم بهم كاستهزاء قومك بك يا
محمد. يقول: فلا يعظمن عليك ما يفعل بك قومك, ولا يشقنّ عليك, فإنهم إنما
سلكوا في استهزائهم بك مسلك أسلافهم, ومنهاج أئمتهم الماضين من أهل الكفر
بالله.


*****************

قال الطبري رحمه الله "

القول في تأويل قوله تعالى : فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ ( 8 )
يقول تعالى ذكره: فأهلكنا أشدّ من هؤلاء المستهزئين
بأنبيائهم بطشا إذا بطشوا فلم يعجزونا بقواهم وشدة بطشهم, ولم يقدروا على
الامتناع من بأسنا إذ أتاهم, فالذين هم أضعف منهم قوة أحرى أن لا يقدروا
على الامتناع من نقمنا إذا حلَّت بهم. يقول جلّ ثناؤه: ومضى لهؤلاء
المشركين المستهزئين بك ولمن قبلهم من ضربائهم مثلنا لهم في أمثالهم من
مكذّبي رسلنا الذين أهلكناهم, يقول: فليتوقع هؤلاء الذين يستهزئون بك يا
محمد من عقوبتنا مثل الذي أحللناه بأولئك الذين أقاموا على تكذيبك.

******************
قال الطبري رحمه الله "


القول في تأويل قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ( 9 ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( 10 )
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من
قومك: من خلق السموات السبع والأرضين, فأحدثهن وأنشأهن؟ ليقولنّ: خلقهنّ
العزيز في سلطانه وانتقامه من أعدائه, العليم بهن وما فيهنّ من الأشياء, لا
يخفى عليه شيء.

***********

( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا )
يقول: الذي مهد لكم الأرض, فجعلها لكم وطاء توطئونها بأقدامكم, وتمشون عليها بأرجلكم.
***************

( وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا ) يقول: وسهل لكم فيها طرقا تتطرّقونها من بلدة إلى بلدة, لمعايشكم ومتاجركم.

***********
. ( لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
يقول: لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البلدان والقرى والأمصار,
لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم, ولكنها نعمة أنعم بها عليكم.


#####################################
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:25 am

قال الطبري رحمه الله "


القول في تأويل قوله تعالى : وَالَّذِي نـَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ( 11 ) وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ( 12 )
يقول تعالى ذكره: ( وَالَّذِي نـَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ )
يعني: ما نـزل جلّ ثناؤه من الأمطار من السماء بقدر: يقول: بمقدار حاجتكم
إليه, فلم يجعله كالطوفان, فيكون عذابا كالذي أنـزل على قوم نوح, ولا جعله
قليلا لا ينبت به النبات والزرع من قلته, ولكن جعله غيثا, حيا للأرض الميتة
محييا.




( فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ) يقول جلّ ثناؤه: فأحيينا به بلده من بلادكم ميتا, يعني مجدبة لا نبات بها ولا زرع, قد درست من الجدوب, وتعفنت من القحوط



( كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) يقول تعالى ذكره:
كما أخرجنا بهذا الماء الذي نـزلناه من السماء من هذه
البلدة الميتة بعد جدوبها وقحوطها النبات والزرع, كذلك أيها الناس تخرجون
من بعد فنائكم ومصيركم في الأرض رفاتًا بالماء الذي أنـزله إليها لإحيائكم
من بعد مماتكم منها أحياء كهيئتكم التي بها قبل مماتكم.



************************************************** *************************
.
وقيل: أنشرنا به, لأن معناه: أحيينا به, ولو وصفت الأرض بأنها أحييت, قيل: نشرت الأرض, كما قال الأعشى:?


*************************************
وقوله: ( وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا ) يقول تعالى ذكره: والذي خلق كلّ شيء فزوّجه, أي خلق الذكور من الإناث أزواجا, الإناث من الذكور أزواجا ( لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ ) وهي السفن ( وَالأنْعَامِ ) وهي البهائم ( مَا تَرْكَبُونَ )
يقول: جعل لكم من السفن ما تركبونه في البحار إلى حيث قصدتم واعتمدتم في
سيركم فيها لمعايشكم ومطالبكم, ومن الأنعام ما تركبونه في البر إلى حيث
أردتم من البلدان, كالإبل والخيل والبغال والحمير.



#################################


القول في تأويل قوله تعالى : لِتَسْتَوُوا
عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ
عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا
لَهُ مُقْرِنِينَ ( 13 ) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ( 14 )

يقول تعالى ذكره: كي تستوا على ظهور ما تركبون.
**********************


واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله: ( عَلَى ظُهُورِهِ )
وتذكيرها, فقال بعض نحويي البصرة: تذكيره يعود على ما تركبون, وما هو
مذكر, كما يقال: عندي من النساء من يوافقك ويسرك, وقد تذكر الأنعام وتؤنث.
وقد قال في موضع آخر: مِمَّا فِي بُطُونِهِ وقال في موضع آخر: بُطُونِهَا
وقال بعض نحوييّ الكوفة: أضيفت الظهور إلى الواحد, لأن ذلك الواحد في معنى
جمع بمنـزلة الجند والجيش. قال: فإن قيل: فهلا قلت: لتستووا على ظهره,
فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد. قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع,
فردّت الظهور إلى المعنى, ولم يقل ظهره, فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه
واحد. وكذلك تقول: قد كثر نساء الجند, وقلت: ورفع الجند أعينه ولم يقل
عينه. قال: وكذلك كلّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة, فأخرجها على
الجمع, وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده, مثل قولك: رفع
العسكر صوتَه, وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلا
الصورة في الواحد.

**********************************************


وقال آخر منهم: قيل: لتستووا على ظهره,
لأنه وصف للفلك, ولكنه وحد الهاء, لأن الفلك بتأويل جمع, فجمع, الظهور
ووحد الهاء, لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل: الجند منهزم
ومنهزمون, فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير, فقلت: الجند رجال,
فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء, ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع
صوته وأصواته.



****************************************
قوله: ( ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ ) يقول تعالى ذكره: ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البر والبحر ( إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ )
فتعظموه وتمجدوه, وتقولوا تنـزيها لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من
هذه الفلك والأنعام, مما يصفه به المشركون, وتشرك معه في العبادة من
الأوثان والأصنام ( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) .



************************
وقوله: ( وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) وما كنا له مطيقين ولا ضابطين, من قولهم: قد أقرنت لهذا: إذا صرت له قرنا وأطقته, وفلان مقرن لفلان: أي ضابط له مُطِيق.
***********************


وقوله: ( وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: وليقولوا أيضا: وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون.


القول في تأويل قوله تعالى : وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ( 15 ) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ( 16 ) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ( 17 )
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيبا, وذلك قولهم للملائكة: هم بنات الله.
.
وقال آخرون: عنى بالجزء ها هنا: العدل.


*********************************


وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك, لأن الله جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: ( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ )
توبيخًا لهم على قولهم ذلك, فكان معلوما أن توبيخه إياهم بذلك إنما هو عما
أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى الله جلّ ثناؤه.

****************************


وقوله: ( إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ )
يقول تعالى ذكره: إن الإنسان لذو جحد لنعم ربه التي أنعمها عليه مبين:
يقول: يبين كفرانه نعمه عليه, لمن تأمله بفكر قلبه, وتدبر حاله.



******************************
وقوله: ( أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ )
يقول جلّ ثناؤه موبخا هؤلاء المشركين الذين وصفوه بأن الملائكة بناته:
اتخذ ربكم أيها الجاهلون مما يخلق بنات, وأنتم لا ترضون لأنفسكم, وأصفاكـم
بالبنين. يقول: وأخلصكم بالبنين, فجعلهم لكم. ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا )
يقول تعالى ذكره: وإذا بشر أحد هؤلاء المشركين الجاعلين لله من عباده حزءا
بما ضرب للرحمن مثلا يقول: بما مثل لله, فشبهه شبها, وذلك ما وصفه به من
أن له بنات.



*****************************************
وقوله: ( ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ) يقول تعالى ذكره: ظلّ وجه هذا الذي بشَّر بما ضرب للرحمن مثلا من البنات مسودّا من سوء ما بشر به. ( وَهُوَ كَظِيمٌ ) يقول: وهو حزين.



################################################




القول في تأويل قوله تعالى : أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ( 18 )
يقول تعالى ذكره: أو من ينبت في الحلية ويزين بها ( وَهُوَ فِي الْخِصَامِ )
يقول: وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين, ومن خصمه ببرهان وحجة,
لعجزه وضعفه, جعلتموه جزء الله من خلقه وزعمتم أنه نصيبه منهم, وفي الكلام
متروك استغنى بدلالة ما ذكر منه وهو ما ذكرت.

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) ,



فقال بعضهم: عُنِي بذلك الجواري والنساء.



وقال آخرون: عُنِي بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.


************************************************** *********
.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك
الجواري والنساء, لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه
لأنفسهم من البنات, وقلة معرفتهم بحقه, وتحليتهم إياه من الصفات والبخل,
وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم, والمنعم عليهم النعم التي عددها في أول هذه
السورة ما لا يرضونه لأنفسهم, فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه
وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر.



************************************************** *********
واختلف القرّاء في قراءة قوله: ( أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين « أوْ مَنْ يَنْشَأُ » بفتح الياء والتخفيف من نَشَأَ ينشأ. وقرأته عامة قرّاء الكوفة ( يُنَشَّأُ )
بضم الياء وتشديد الشين من نَشَّأْتُهُ فهو يُنَشَّأُ. والصواب من القول
في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار, متقاربتا
المعنى, لأن المُنَشَّأ من الإنشاء ناشئ, والناشئ منشأ, فبأيتهما قرأ
القارئ فمصيب. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله « أوَ مَنْ لا يُنشَّأُ إلا فِي الحلْية » , وفي « من »
وجوه من الإعراب الرفع على الاستئناف والنصب على إضمار يجعلون كأنه قيل:
أو من ينشأ في الحلية يجعلون بنات الله. وقد يجوز النصب فيه أيضا على الردّ
على قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات أو من ينشأ في الحلية, فيردّ « من » على البنات, والخفض على الردّ على « ما » التي في قوله: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا .



*****************************


القول في تأويل قوله تعالى : وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا
خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ( 19 )

يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة « الذين هم عند الرحمن »
بالنون, فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ
رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة
الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا, فقالوا: هم بنات الله جهلا
منهم بحق الله, وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل. وقرأ ذلك عامة قرّاء
الكوفة والبصرة ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا )
بمعنى: جمع عبد. فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء: وجعلوا ملائكة الله الذين
هم خلقه وعباده بنات الله, فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في
قراءة الأمصار صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب, وذلك أن الملائكة
عباد الله وعنده.

****************************************


واختلفوا أيضًا في قراءة قوله: ( أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة « أشهدوا خلقهم »
بضم الألف, على وجه ما لم يسمّ فاعله, بمعنى: أأشهد الله هؤلاء المشركين
الجاعلين ملائكة الله إناثا, خلق ملائكته الذين هم عنده, فعلموا ما هم,
وأنهم إناث, فوصفوهم بذلك, لعلمهم بهم, وبرؤيتهم إياهم, ثم رد ذلك إلى ما
لم يسمّ فاعله.

وقرئ بفتح الألف, بمعنى: أشهدوا هم ذلك فعلموه؟ والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.


*********************************


وقوله: ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ )
يقول تعالى ذكره: ستكتب شهادة هؤلاء القائلين: الملائكة بنات الله في
الدنيا, بما شهدوا به عليهم, ويسألون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا
ببرهان على حقيقتها, ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا.



***********************************


القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ( 20 ) أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ( 21 )
يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون من قريش: لو شاء
الرحمن ما عبدنا أوثاننا التي نعبدها من دونه, وإنما لم يحلّ بنا عقوبة على
عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتناها.

*************************************


.. ( إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ) يقول: ما هم إلا متخرّصون هذا القول الذي قالوه, وذلك قولهم ( لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ) .
***********************


وقوله: ( أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ )
يقول تعالى ذكره ما آتينا هؤلاء المتخرّصين القائلين لو شاء الرحمن ما
عبدنا الآلهة كتابا بحقيقة ما يقولون من ذلك, من قبل هذا القرآن الذي
أنـزلناه إليك يا محمد. ( فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ) يقول: فهم بذلك الكتاب الذي جاءهم من عندي من قبل هذا القرآن, مستمسكون يعملون به, ويدينون بما فيه, ويحتجون به عليك.



******************************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:25 am


القول في تأويل قوله تعالى : بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ( 22 )
يقول تعالى ذكره: ما آتينا هؤلاء القائلين: لو شاء الرحمن
ما عبدنا هؤلاء الأوثان بالأمر بعبادتها, كتابا من عندنا, ولكنهم قالوا:
وجدنا آباءنا الذين كانوا قبلنا يعبدونها, فنحن نعبدها كما كانوا يعبدونها;
وعنى جلّ ثناؤه بقوله: ( بَلْ قالوا إنا وَجَدْنَا آباءنَا على أُمَّةٍ ) . بل وجدنا آباءنا على دين وملة, وذلك هو عبادتهم الأوثان.

******************************


واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( عَلَى أُمَّةٍ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( عَلَى أُمَّةٍ ) بضم الألف بالمعنى الذي وصفت من الدين والملة والسنة. وذُكر عن مجاهد وعمر بن عبد العزيز أنهما قرأاه « على إمَّةٍ »
بكسر الألف. وقد اختلف في معناها إذا كسرت ألفها, فكان بعضهم يوجه تأويلها
إذا كسرت على أنها الطريقة وأنها مصدر من قول القائل: أممت القوم فأنا
أؤمهم إمَّة. وذُكر عن العرب سماعا: ما أحسن عمته وإمته وجلسته إذا كان
مصدرا. ووجهه بعضهم إذا كُسرت ألفها إلى أنها الإمة التي بمعنى النعيم
والمُلك, كما قال عدي بن زيد. ثُــمَّ بَعْــدَ الفَــلاحِ والمُلْـكِ
والإم ة وَارَتهُـــمْ هُنـــاكَ القُبـــور

وقال: أراد إمامة الملك ونعيمه. وقال بعضهم: ( الأمَّة بالضم, والإمَّة بالكسر بمعنى واحد ) .
والصواب من القراءة في ذلك الذي لا أستجيز غيره: الضم في
الألف لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه. وأما الذين كسروها فإني لا
أراهم قصدوا بكسرها إلا معنى الطريقة والمنهاج, على ما ذكرناه قبل, لا
النعمة والملك, لأنه لا وجه لأن يقال: إنا وجدنا آباءنا على نعمة ونحن لهم
متبعون في ذلك, لأن الاتباع إنما يكون في الملل والأديان وما أشبه ذلك لا
في الملك والنعمة, لأن الاتباع في الملك ليس بالأمر الذي يصل إليه كلّ من
أراده.



#######################3
وقوله: ( وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) يقول: وإنا على آثار آبائنا فيما كانوا عليه من دينهم مهتدون, يعني: لهم متبعون على منهاجهم.


############################



قال الطبري رحمه الله "


القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ( 24 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
قل يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك, القائلين إنا وجدنا آباءنا على أمة
وإنا على آثارهم مقتدون ( أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ ) أيها القوم من عند ربكم ( بِأَهْدَى ) إلى طريق الحق, وأدل لكم على سبيل الرشاد ( مِمَّا وَجَدْتُمْ ) أنتم عليه آباءكم من الدين والمِلَّة. ( قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ )
يقول: فقال ذلك لهم, فأجابوه بأن قالوا له كما قال الذين من قبلهم من
الأمم المكذّبة رسلها لأنبيائها: إنا بما أرسلتم به يا أيها القوم كافرون,
يعني: جاحدون منكرون.

وقرأ ذلك قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر « قل أولو جئتكم » بالتاء. وذُكر عن أبي جعفر القارئ أنه قرأه « قُلْ أوَلَوْ جِئْنَاكُمْ » بالنون والألف.
والقراءة عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة عليه.


***************************


القول في تأويل قوله تعالى : فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( 25 )
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا من هؤلاء المكذّبة رسلها من
الأمم الكافرة بربها, بإحلالنا العقوبة بهم, فانظر يا محمد كيف كان عقبى
أمرهم, إذ كذّبوا بآيات الله. ويعني بقوله: ( عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) آخر أمر الذين كذبوا رسل الله إلام صار, يقول: ألم نهلكهم فنجعلهم عبرة لغيرهم؟



********************************
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ( 26 ) إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ( 27 ) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 28 )
يقول تعالى ذكره: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ ) الذين كانوا يعبدون ما يعبده مشركو قومك يا محمد ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ) من دون الله, فكذّبوه, فانتقمنا منهم كما انتقمنا ممن قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها. وقيل: ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ )
فوضع البراء وهو مصدر موضع النعت, والعرب لا تثني البراء ولا تجمع ولا
تؤنث, فتقول: نحن البراء والخلاء: لِما ذكرت أنه مصدر, وإذا قالوا: هو بريء
منك ثنوا وجمعوا وأنَّثوا, فقالوا: هما بريئان منك, وهم بريئون منك.



وذُكر أنها في قراءة عبد الله: « إنَّنِي بَرِيءٌ » بالياء, وقد يجمع برئ: براء وأبراء. ( إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) يقول: إني بريء مما تعبدون من شيء إلا من الذي فطرني, يعني الذي خلقني ( فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ) يقول: فإنه سيقومني للدين الحقّ,ويوفقني لاتباع سبيل الرشد.


***********************


. وقوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) يقول تعالى ذكره: وجعل قوله: ( إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي ) وهو قول: لا إله إلا الله, كلمة باقية في عقبه, وهم ذريّته, فلم يزل فى ذريّته من يقول ذلك من بعده.


*******************************
واختلف أهل التأويل في معنى الكلمة التي جعلها خليل الرحمن باقية في عقبه, فقال بعضهم: بنحو الذي قلنا في ذلك.
وقال آخرون: الكلمة التي جعلها الله في عقبه اسم الإسلام.


*****************
قوله: ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال: يعني من خلَفه.


*********************
وقوله: ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) يقول: ليرجعوا إلى طاعة ربهم, ويثوبوا إلى عبادته, ويتوبوا من كفرهم وذنوبهم.
**********************
القول في تأويل قوله تعالى : بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ( 29 ) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ( 30 )
يقول تعالى ذكره: ( بَلْ مَتَّعْتُ ) يا محمد ( هَؤُلاءِ ) المشركين من قومك ( وَآبَاءَهُمْ ) من قبلهم بالحياة, فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم ( حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) يعني جلّ ثناؤه بالحقّ: هذا القرآن: يقول: لم أهلكهم بالعذاب حتى أنـزلت عليهم الكتاب, وبعثت فيهم رسولا مبينا. يعني بقوله: ( وَرَسُولٌ مُبِينٌ ) : محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, والمبين: أنه يبين لهم بالحجج التي يحتج بها عليهم أنه لله رسول محقّ فيما يقول ( وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ ) يقول جلّ ثناؤه: ولما جاء هؤلاء المشركين القرآنُ من عند الله, ورسول من الله أرسله إليهم بالدعاء إليه ( قَالُوا هَذَا سِحْرٌ ) يقول: هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به, ليس بوحي من الله ( وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ ) يقول: قالوا: وإنا به جاحدون, ننكر أن يكون هذا من الله.


####################
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ( 31 )
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ
بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ
رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ( 32 )

يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء المشركون
بالله من قريش لما جاءهم القرآن من عند الله: هذا سحر, فإن كان حقا فهلا
نـزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين مكة أو الطائف.

واختلف في الرجل الذي وصفوه بأنه عظيم,
فقالوا: هلا نـزل عليه هذا القرآن, فقال بعضهم: هلا نـزل على الوليد بن
المُغيرة المخزومي من أهل مكة, أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل
الطائف؟.

.
وقال آخرون: بل عُنِي به عُتْبةُ بن ربيعة من أهل مكة, وابن عبد ياليل, من أهل الطائف.

وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المُغيرة, ومن أهل الطائف: ابن مسعود .
وقال آخرون: بل عني به من أهل مكة: الوليد بن المغيرة, ومن أهل الطائف: كنانة بن عَبد بنِ عمرو.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جلّ ثناؤه, مخبرا عن هؤلاء المشركين ( وَقَالُوا لَوْلا نـزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ )
إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء, ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة
على الذين عنوا منهم في كتابه, ولا على لسان رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم, والاختلاف فيه موجود على ما بيَّنت.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ )
يقول تعالى ذكره: أهؤلاء القائلون: لولا نـزل هذا القرآن على رجل من
القريتين عظيم يا محمد, يقسمون رحمة ربك بين خلقه, فيجعلون كرامته لمن
شاءوا, وفضله لمن أرادوا, أم الله الذي يقسم ذلك, فيعطيه من أحبّ, ويحرمه
مَنْ شاء؟.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره: بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا
من خلقنا, فنجعل من شئنا رسولا ومن أردنا صديقا, ونتخذ من أردنا خليلا كما
قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق
والأقوات, فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة, بل جعلنا هذا غنيا, وهذا
فقيرا, وهذا ملكًا, وهذا مملوكًا
( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) .


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) يقول:
ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه, وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل,
يقول: جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا فى المعاش, في الدنيا
.

وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله: ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) فقال بعضهم: معناه ما قلنا فيه.

وقال بعضهم: بل عنى بذلك: ليملك بعضهم بعضا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يقول تعالى ذكره: ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْلا
أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ
بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا
يَظْهَرُونَ ( 33 )

يقول تعالى ذكره: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً ) : جماعة واحدة.
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم
يؤمن اجتماعهم عليه, لو فعل ما قال جلّ ثناؤه, وما به لم يفعله من أجله,
فقال بعضهم: ذلك اجتماعهم على الكفر. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون
الناس أمة واحدة على الكفر, فيصيرَ جميعهم كفارا
( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ) .


وقال آخرون: اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الآخرة. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الآخرة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ) يقول تعالى ذكره: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن فى الدنيا سقفا, يعني أعالي بيوتهم, وهي السطوح فضة .

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

واختلف أهل العربية فى تكرير اللام التي في قوله: ( لِمَنْ يَكْفُرُ ) وفي قوله: ( لِبُيُوتِهِمْ ) , فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت حملتها في ( لِبُيُوتِهِمْ ) مكرّرة،
كما في يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ وإن شئت
جعلت اللامين مختلفتين, كأن الثانية في معنى على, كأنه قال: جعلنا لهم على
بيوتهم سقفا. قال: وتقول العرب للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية: أي
جعلته من أجلك لهم.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: « سُقُفًا » فقرأته عامة قرّاء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين ( سَقْفا ) بفتح
السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ
مِنْ فَوْقِهِمْ وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع. وقرأه
بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء
الكوفة ( سُقُفًا ) بضم
السين والقاف، ووجهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف. وإذا وجهت إلى أنها
جمع سقوف كانت جمع الجمع, لأن السقوف: جمع سقف, ثم تجمع السقوف سقفا, فيكون
ذلك نظير قراءة من قرأه
« فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ » بضم الراء والهاء, وهي الجمع, واحدها رهان ورهون, وواحد الرهون والرهان: رهن.

وكذلك قراءة من قرأ « كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ » بضم الثاء والميم, ونظير قول الراجز:
حتى إذَا ابْتَلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ
وقد زعم بعضهم أن السُّقُف بضم السين
والقاف جمع سقف, والرُّهُن بضم الراء والهاء جمع رهن, فأغفل وجه الصواب في
ذلك, وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون
العين مجموعا على فعل, فيجعل السُّقُف والرُّهُن مثله.

والصواب من القول في ذلك عندي, أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, معروفتان في قراءة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) يقول: ومراقي ودَرَجا عليها يصعدون, فيظهرون على السقف والمعارج: هي الدرج نفسها, كما قال المثنى بن جندل?
يا رَبّ ربَّ البَيْتِ ذي المَعَارِج

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ( 34 ) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ( 35 )
يقول تعالى ذكره: وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة, وسُرُرا من فضة.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( وَزُخْرُفًا ) يقول: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا, وهو الذهب.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وذُكر لنا أن نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: « إيَّاكُمْ والحُمْرَةَ فإنَّها مِنْ أحَبّ الزّينَةِ إلى الشَّيْطَانِ » .
.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وفي نصب الزخرف وجهان: أحدهما: أن يكون
معناه: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف, فلما لم
يكرّر عليه من نصب على إعمال الفعل فيه ذلك, والمعنى فيه: فكأنه قيل:
وزخرفا يجعل ذلك لهم منه. والوجه الثاني: أن يكون معطوفا على السرر, فيكون
معناه: لجعلنا لهم هذه الأشياء من فضة, وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا يكون لهم
غنى يستغنون بها, ولو كان التنـزيل جاء بخفض الزخرف لكان: لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف, فكان الزخرف يكون معطوفا على الفضة.
وأما المعارج فإنها جُمعت على مفاعل, وواحدها معراج, على جمع معرج, كما
يجمع المفتاح مفاتح على جمع مفتح, لأنهما لغتان: معرج, ومفتح, ولو جمع
معاريج كان صوابا, كما يجمع المفتاح مفاتيح, إذ كان واحده معراج.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
يقول تعالى ذكره: وما كل هذه الأشياء التي ذكرت من السقف من الفضة
والمعارج والأبواب والسرر من الفضة والزخرف, إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا
في الدنيا. ( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )
يقول تعالى ذكره: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين, الذين اتقوا
الله فخافوا عقابه, فجدوا في طاعته, وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم من خلق
الله.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ( 36 ) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ( 37 )
يقول تعالى ذكره: ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته, ولم يخش عقابه ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )
يقول: نجعل له شيطانا يغويه فهو له قرين: يقول: فهو للشيطان قرين, أي يصير
كذلك, وأصل العشو: النظر بغير ثبت لعلة في العين, يقال منه: عشا فلان يعشو
عشوا وعشوّا: إذا ضعف بصره, وأظلمت عينه, كأن عليه غشاوة, كما قال الشاعر:

مَتـى تَأتِـهِ تَعْشُـو إلـى ضَـوْءِ نارِهِ تَجِـدْ حَطَبـا جَـزْلا وَنـارًا تَأَجَّجـا
يعني: متى تفتقر فتأته يعنك. وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر, فإنه يقال فيه: عَشِيَ فلان يَعْشَى عَشًى منقوص, ومنه قول الأعشى?
رأتْ رَجُـــلا غَــائِبَ الوَافِــدَيْنِ مُخْــتَلِفَ الخَـلْقِ أعْشَـى ضَرِيـرا
يقال منه: رجل أعشى وامرأة عشواء. وإنما معنى الكلام: ومن
لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظرًا ضعيفًا, كنظر من قد عَشِيَ
بصره ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) .

.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقد تأوّله بعضهم بمعنى. ومن يعمَ, ومن تأوّل ذلك كذلك, فيحب أن تكون قراءته ( وَمَنْ يَعْشَ ) بفتح الشين على ما بيَّنت قيل.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ )
يقول تعالى ذكره: وإن الشياطين ليصدّون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله, عن
سبيل الحقّ, فيزينون لهم الضلالة, ويكرهون إليهم الإيمان بالله, والعمل
بطاعته ( وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ )
يقول: ويظن المشركون بالله بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة,
أنهم على الحق والصواب, يخبر تعالى ذكره عنهم أنهم من الذي هم عليه من
الشرك على شكّ وعلى غير بصيرة. وقال جلّ ثناؤه: ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ ) فأخرج ذكرهم مخرج ذكر الجميع, وإنما ذُكر قبل واحدا, فقال: ( نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ) لأن الشيطان وإن كان لفظه واحدا, ففي معنى جمع.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ( 38 ) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ( 39 )
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا ) فقرأته عامة قرّاء الحجاز سوى ابن محيصن, وبعض الكوفيين وبعض الشاميين « حتى إذا جاءنا »
على التوحيد بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا الذي عَشِي عن ذكر الرحمن, وقرينه
الذي قيض له من الشياطين. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة وابن محيصن: ( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا ) على التوحيد, بمعنى: حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن.

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا
المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه
عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا, الكفاية للسامع عن خبر الآخر, إذ كان الخبر
عن حال أحدهما معلوما به خبر حال الآخر, وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في
قرءة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ )
يقول تعالى ذكره: قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر: وددت أن بيني وبينك
بعد المشرقين: أى بعد ما بين المشرق والمغرب, فغلب اسم أحدهما على الآخر,
كما قيل: شبه القمرين, وكما قال الشاعر?

أخَذْنــا بآفــاقِ السَّــمَاءِ عَلَيْكُـمُ لنَــا قَمَرَاهَــا والنُّجُــومُ الطَّـوَالِعُ
وكما قال الآخر?
فَبَصْــرَةُ الأزْدِ مِنَّـا والعِـرَاقُ لنَـا والمَـوْصِلانِ وَمِنَّـا مِصْـرُ والحَـرَمُ
يعني: الموصل والجزيرة, فقال: الموصلان, فغلب الموصل.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقد قيل: عنى بقوله ( بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ )
: مشرق الشتاء, ومشرق الصيف, وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق, وفي
الصيف من مشرق غيره; وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين, كما قال جلّ
ثناؤه: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ .

وذُكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ ) أيها العاشون عن ذكر الله في الدنيا ( إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) يقول: لن يخفف عنكم اليوم من عذاب الله اشتراككم فيه, لأن لكل واحد منكم نصيبه منه, و « أنَّ » من قوله ( أنَّكُمْ ) في موضع رفع لما ذكرت أن معناه: لن ينفعكم اشتراككم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:26 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 40 ) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ( 41 ) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ( 42 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ )
: من قد سلبه الله استماع حججه التي احتجّ بها في هذا الكتاب فأصمه عنه,
أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى الله قلبه عن إبصاره, واستحوذ عليه
الشيطان, فزين له الردى ( وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )
يقول: أو تهدي من كان في جور عن قصد السبيل, سالك غير سبيل الحقّ, قد أبان
ضلاله أنه عن الحقّ زائل, وعن قصد السبيل جائر: يقول جلّ ثناؤه: ليس ذلك
إليك, إنما ذلك إلى الله الذي بيده صرف قلوب خلقه كيف شاء, وإنما أنت منذر,
فبلغهم النذارة.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الوعيد, فقال بعضهم: عني به أهل الإسلام من أمة نبينا عليه الصلاة والسلام .

# عن قتادة, قوله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ )
فذهب الله بنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, ولم ير في أمته إلا الذي
تقرّ به عينه, وأبقى الله النقمة بعده, وليس من نبيّ إلا وقد رأى في أمته
العقوبة, أو قال ما لا يشتهي. ذُكر لنا أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم أُري الذي لقيت أمته بعده, فما زال منقبضا ما انبسط ضاحكا حتى لقي
الله تبارك وتعالى.

.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقال آخرون: بل عنى به أهل الشرك من قريش, وقالوا: قد أري الله نبيه عليه الصلاة والسلام فيهم.

. وهذا القول الثاني
أولى التأويلين في ذلك بالصواب وذلك أن ذلك في سياق خبر الله عن المشركين
فلأن يكون ذلك تهديدا لهم أولى من أن يكون وعيدا لمن لم يجر له ذكر. فمعنى
الكلام إذ كان ذلك كذلك: فإن نذهب بك يا محمد من بين أظهر هؤلاء المشركين,
فنخرجك من بينهم ( فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) , كما فعلنا ذلك بغيرهم من الأمم المكذّبة رسلها. ( أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ ) يا محمد من الظفر بهم, وإعلائك عليهم ( فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) أن نظهرك عليهم, ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين بك.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 43 ) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ( 44 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فتمسك يا محمد بما يأمرك به هذا القرآن الذي أوحاه إليك ربك, ( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) و منهاج سديد, وذلك هو دين الله الذي أمر به, وهو الإسلام.
.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
.
وقوله: ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش ( وَسَوْفَ تُسْأَلُون ) يقول: وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه, وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه, وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه؟.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القول في تأويل قوله تعالى : وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ( 45 )
اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا )
ومن الذين أمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بمسألتهم ذلك,
فقال بعضهم الذين أمر بمسألتهم ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم, مؤمنو أهل الكتابين: التوراة, والإنجيل.


وقال آخرون: بل الذي أمر بمسألتهم ذلك الأنبياء الذين جُمِعوا له ليلة أُسرِي به ببيت المقدس.

# قال ابن زيد, في قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ )
... الآية, قال: جمعوا له ليلة أُسري به ببيت المقدس, فأمهم, وصلى بهم,
فقال الله له: سلهم, قال: فكان أشدّ إيمانا ويقينا بالله وبما جاء من الله
أن يسألهم, وقرأ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ
فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ قال: فلم يكن فى
شكّ, ولم يسأل الأنبياء, ولا الذين يقرءون الكتاب. قال: ونادى جبرائيل
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, فقلت في نفسي: « الآن يؤمنا أبونا إبراهيم » ; قال: « فدفع جبرائيل في ظهري »
, قال: تقدم يا محمد فصلّ, وقرأ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... حتى بلغ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك, قول من قال: عني به: سل مؤمني أهل الكتابين.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يقال: سل الرسل, فيكون معناه:
سل المؤمنين بهم وبكتابهم؟ قيل: جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم
أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم, فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم إذا
صحَّ بمعنى خبرهم, والمسألة عما جاءوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول
من أهل العلم بهم والصدق عليهم, وذلك نظير أمر الله جلّ ثناؤه إيانا برد ما
تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول, يقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ومعلوم أن معنى ذلك: فردوه إلى
كتاب الله وسنة رسوله, لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول.

وكذلك قوله: ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا )
إنما معناه: فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل, فإنك تعلم صحة ذلك
من قبلنا, فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب, إذ كان معلوما ما معناه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) يقول: أمرناهم بعبادة الآلهة من دون إلله فيما جاءوهم به, أو أتوهم بالأمر بذلك من عندنا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقيل: ( آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) ,
فأخرج الخبر عن الآلهة مخرج الخبر عن ذكور بني آدم, ولم يقل: تعبد, ولا
يعبدن, فتؤنث وهي حجارة, أو بعض الجماد كما يفعل في الخبر عن بعض الجماد.
وإنما فعل ذلك كذلك, إذ كانت تعبد وتعظم تعظيم الناس ملوكهم وسراتهم, فأجري
الخبر عنها مُجْرى الخبر عن المملوك والأشراف من بني آدم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 46 ) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ( 47 )
يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا يا محمد موسى بحججنا إلى
فرعون وأشراف قومه, كما أرسلناك إلى هؤلاء المشركين من قومك, فقال لهم
موسى: إني رسول رب العالمين, كما قلت أنت لقومك من قريش. إني رسول الله
إليكم.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ )
يقول: فلما جاء موسى فرعون وملأه بحججنا وأدلتنا على صدق قوله, فيما
يدعوهم إليه من توحيد الله والبراءة من عبادة الآلهة, إذا فرعون وقومه مما
جاءهم به موسى من الآيات والعبر يضحكون; كما أن قومك مما جئتهم به من
الآيات والعبر يسخرون, وهذا تسلية من الله عزّ وجلّ نبيه صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم عما كان يلقى من مشركي قومه, وإعلام منه له, أن قومه من
أهل الشرك لن يعدو أن يكونوا كسائر الأمم الذين كانوا على منهاجهم في الكفر
بالله وتكذيب رسله, وندب منه نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى
الاستنان في الصبر عليهم بسنن أولي العزم من الرسل, وإخبار منه له أن عقبى
مردتهم إلى البوار والهلاك كسنته في المتمردين عليه قبلهم, وإظفاره بهم,
وإعلائه أمره, كالذي فعل بموسى عليه السلام, وقومه الذين آمنوا به من
إظهارهم على فرعون وملئه.



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القول في تأويل قوله تعالى : وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 48 )
يقول تعالى ذكره: وما نري فرعون وملأه آية, يعني: حجته لنا عليه بحقيقة ما يدعوه إليه رسولنا موسى ( إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا )
يقول: إلا التي نريه من ذلك أعظم في الحجة عليهم وأوكد من التي مضت قبلها
من الآيات, وأدل على صحة ما يأمره به موسى من توحيد الله.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ) يقول: وأنـزلنا بهم العذاب, وذلك كأخذه تعالى ذكره إياهم بالسنين, ونقص من الثمرات, وبالجراد, والقمل, والضفادع, والدم.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) يقول: ليرجعوا عن كفرهم بالله إلى توحيده وطاعته, والتوبة مما هم عليه مقيمون من معاصيهم.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ( 49 ) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ( 50 )
يقول تعالى ذكره: وقال فرعون وملؤه لموسى: ( يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ ) وعنوا بقولهم « بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ » : بعهده الذي عهد إليك أنا إن آمنا بك واتبعناك, كُشف عنا الرِّجْز.

. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إن قال لنا قائل: وما وجه قيلهم يا أيها الساحر ادع لنا ربك
بما عهد عندك, وكيف سموه ساحرا وهم يسألونه أن يدعو لهم ربه ليكشف عنهم
العذاب؟ قيل: إن الساحر كان عندهم معناه: العالم, ولم يكن السحر عندهم ذما,
وإنما دعوه بهذا الاسم, لأن معناه عندهم كان: يا أيها العالم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) يقول: قالوا: إنا لمتبعوك فمصدّقوك فيما جئتنا به, وموحدو الله فمبصرو سبيل الرشاد.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ )
يقول تعالى ذكره: فلما رفعنا عنهم العذاب الذي أنـزلنا بهم, الذي وعدوا
أنهم إن كشف عنهم اهتدوا لسبيل الحق, إذا هم بعد كشفنا ذلك عنهم ينكثون
العهد الذي عاهدونا: يقول: يغدرون ويصرّون على ضلالهم, ويتمادون في غيهم.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
القول في تأويل قوله تعالى : وَنَادَى
فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ
وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ( 51 )

يقول تعالى ذكره: ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ) من القبط, فـ ( قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ) يعنى بقوله: ( مِنْ تَحْتِي ) : من بين يدي في الجنان.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( أَفَلا تُبْصِرُونَ )
يقول: أفلا تبصرون أيها القوم ما أنا فيه من النعيم والخير, وما فيه موسى
من الفقر وعيّ اللسان, افتخر بملكه مصر عدوّ الله, وما قد مكَّن له من
الدنيا استدراجا من الله له, وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله,
وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه, فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجًا
على جهلة قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقًا فيما يأتي به من الآيات
والعبر, ولم يكن ذلك سحرا, لأكسب نفسه من الملك والنعمة, مثل الذي هو فيه
من ذلك جهلا بالله واغترارًا منه بإملائه إياه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ( 52 ) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ( 53 )
يقوله تعالى ذكره مخبرًا عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه
عليهم بملكه وسلطانه, وبيان لسانه وتمام خلقه, وفضل ما بينه وبين موسى
بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم, وصفتي هذه الصفة
التي وصفت لكم ( أم هذا الذي هو مهين ) لا شيء له من الملك والأموال مع العلة التي في جسده, والآفة التي بلسانه, فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقد اختُلف في معنى قوله: ( أمْ ) في هذا الموضع, فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير, وقالوا. ذلك خير, لا استفهام.
# عن السديّ, قوله: ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة.

وقال بعض نحويي الكوفة,
هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على
قوله: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام, وجب
أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره, ويكون معنى
الكلام حينئذ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين, أم هو؟.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ ذلك « أما أنا خَيْرٌ » .
حدثنا بذلك عن الفرّاء قال: أخبرني بعض المشيخة أنه بلغه أن
بعض القرّاء قرأ كذلك, ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قَرَأة
الأمصار لكانت صحيحة, وكان معناها حسنا, غير أنها خلاف ما عليه قرّاء
الأمصار, فلا أستجيز القراءة بها, وعلى هذه القراءة لو صحت لا كلفة له في
معناها ولا مؤنة.

والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار.

وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك, تأويل من جعل: أم أنا ( خَيْرٌ )
؟ من الاستفهام الذي جعل بأم, لاتصاله بما قبله من الكلام, ووجهه إلى أنه
بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين؟ أم هو؟ ثم ترك ذكر أم هو, لما في
الكلام من الدليل عليه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وعني بقوله: ( مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) : من هذا الذي هو ضعيف لقلة ماله, وأنه ليس له من الملك والسلطان ماله.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( وَلا يَكَادُ يُبِينُ ) يقول: ولا يكاد يبين الكلام من عِيّ لسانه.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ) يقول: فهلا ألقي على موسى إن كان صادقا أنه رسول رب العالمين أسورة من ذهب, وهو جمع سوار, وهو القُلْب الذي يجعل في اليد.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة « فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ » . وذُكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه ( أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ) .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ما عليه قَرَأة الأمصار, وإن كانت الأخرى صحيحة المعنى.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
واختلف أهل العربية في واحد الأساورة, والأسورة, فقال بعض
نحوييّ البصرة: الأسورة جمع إسوار قال: والأساورة جمع الأسورة; وقال: ومن
قرأ ذلك أساورة, فإنه أراد أساوير والله أعلم, فجعل الهاء عوضا من الياء,
مثل الزنادقة صارت الهاء فيها عوضا من الياء التي في زناديق. وقال بعض
نحوييّ الكوفة: من قرأ أساورة جعل واحدها إسوار; ومن قرأ أسورة جعل واحدها
سوار; وقال: قد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع الأسقية الأساقي,
وفي جمع الأكرع الأكارع. وقال آخر منهم قد قيل في سوار اليد: يجوز فيه
أسوار وإسوار; قال: فيجوز على هذه اللغة أن يكون أساورة جمعه.

وحُكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: واحد الأساورة إسوار; قال: وتصديقه في قراءة أبيّ بن كعب « فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ »
فإن كان ما حكي من الرواية من أنه يجوز أن يقال في سوار اليد إسوار, فلا
مؤنة في جمعه أساورة, ولست أعلم ذلك صحيحا عن العرب برواية عنها, وذلك أن
المعروف في كلامهم من معنى الإسوار: الرجل الرامي, الحاذق بالرمي من رجال
العجم.

وأما الذي يُلبس في اليد, فإن المعروف من أسمائه عندهم
سوارا. فإذا كان ذلك كذلك, فالذي هو أولى بالأساورة أن يكون جمع أسورة على
ما قاله الذي ذكرنا قوله في ذلك.


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ )
يقول: أو هلا إن كان صادقا جاء معه الملائكة مقترنين قد اقترن بعضهم ببعض,
فتتابَعُوا يشهدون له بأنه لله رسول إليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال
أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة على تأويله, فقال بعضهم: يمشون
معا.


وقال آخرون: متتابعين.
وقال آخرون: يقارن بعضهم بعضا.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ( 54 ) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ( 55 )
يقول تعالى ذكره: فاستخفّ فرعون خلقا من قومه من القبط,
بقوله الذي أخبر الله تبارك وتعالى عنه أنه قال لهم, فقبلوا ذلك منه
فأطاعوه, وكذّبوا موسى, قال الله: وإنما أطاعوا فاستجابوا لما دعاهم إليه
عدوّ الله من تصديقه, وتكذيب موسى, لأنهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين
بخذلانه إياهم, وطبعه على قلوبهم. يقول الله تبارك وتعالى: ( فَلَمَّا آسَفُونَا ) يعني بقوله: آسفونا: أغضبونا.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
, وقوله: ( انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ) يقول: انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجلناه لهم, فأغرقناهم جميعا في البحر.

القول في تأويل قوله تعالى : فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلآخِرِينَ ( 56 ) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ( 57 )
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم « فَجَعَلْنَاهُمْ سُلُفًا »
بضم السين واللام, توجيها ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس, وهو المتقدّم
أمام القوم. وحكى الفرّاء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول:
مضى سليف من الناس. وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم: ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا ) بفتح السين واللام.

وإذا قرئ كذلك احتمل أن يكون مرادا به الجماعة والواحد
والذكر والأنثى, لأنه يقال للقوم: أنتم لنا سلف, وقد يجمع فيقال: هم أسلاف;
ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال:
« يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ أسْلافًا » .

وكان حُميد الأعرج يقرأ ذلك: « فَجَعَلْنَاهُمْ سُلَفًا » بضم السين وفتح اللام, توجيها منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس, مثل أمة منهم وقطعة.
وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين
واللام, لأنها اللغة الجوداء, والكلام المعروف عند العرب, وأحقّ اللغات أن
يقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم. فتأويل الكلام إذن:
فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدّمة يتقدمون إلى
النار, كفار قومك يا محمد من قريش, وكفار قومك لهم بالأثر.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَمَثَلا لِلآخِرِينَ ) يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم, فينتهوا عن الكفر بالله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا )
يقول تعالى ذكره: ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل
بآدم, فمثله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل, إذا قومك يا محمد من ذلك
يضجون ويقولون: ما يريد محمد منا إلا أن نتخذه إلها نعبده, كما عبدت
النصارى المسيح.

وقال آخرون: بل عنى بذلك قول
الله عزّ وجلّ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ
جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ قيل المشركين عند نـزولها: قد رضينا
بأن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزَير والملائكة, لأن كل هؤلاء مما يعبد من دون
الله, قال الله عزّ وجلّ: ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ) وقالوا: أآلهتنا خير أم هو؟.

.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( يَصُدُّونَ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة, وجماعة من قرّاء الكوفة: « يصُدُّونَ » بضم الصاد. وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة ( يَصُدُّونَ ) بكسر الصاد.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين ذلك إذا قُرئ
بضم الصاد, وإذا قُرئ بكسرها, فقال بعض نحوييّ البصرة, ووافقه عليه بعض
الكوفيين: هما لغتان بمعنى واحد, مثل يشُدّ ويشِدّ, ويَنُمُّ ويَنِمّ من
النميمة. وقال آخر: منهم من كسر الصاد فمجازها يضجون, ومن ضمها فمجازها
يعدلون. وقال بعض من كسرها: فإنه أراد يضجون, ومن ضمها فإنه أراد الصدود عن
الحقّ.

وحُدثت عن الفرّاء قال: ثني أبو بكر بن عياش, أن عاصما ترك
يصدّون من قراءة أبي عبد الرحمن, وقرأ يصدّون, قال: قال أبو بكر. حدثني
عاصم, عن أبي رزين, عن أبي يحيى, أن ابن عباس لقي ابن أخي عبيد بن عمير,
فقال: إن عمك لعربيّ, فما له يُلحن في قوله: « إذَا قُومُكَ مِنْهُ يَصُدُّونَ » , وإنما هي ( يَصُدُّونَ ) .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان, ولغتان
مشهورتان بمعنى واحد, ولم نجد أهل التأويل فرقوا بين معنى ذلك إذا قرئ
بالضم والكسر, ولو كان مختلفا معناه, لقد كان الاختلاف في تأويله بين أهله
موجودا وجود اختلاف القراءة فيه باختلاف اللغتين, ولكن لما لم يكن مختلف
المعنى لم يختلفوا في أن تأويله: يضجون ويجزعون, فبأي القراءتين قرأ القارئ
فمصيب.

#######################3
.
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ( 58 ) إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ( 59 ) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ ( 60 )
يقول تعالى ذكره: وقال مشركو قومك يا محمد: آلهتنا التي نعبدها خير؟ أم محمد فنعبد محمدا؟ ونترك آلهتنا؟.
وذُكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب: « أآلهتنا خير أم هذا » .
وقال آخرون: بل عنى بذلك: آلهتنا خير أم عيسى؟.
.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

وقوله: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) .... إلى ( فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ ) . وقوله تعالى ذكره: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا ) يقول تعالى ذكره: ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد ولا قالوا لك هذا القول إلا جدلا وخصومة يخاصمونك به
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: ما بقومك يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) يلتمسون الخصومة بالباطل.

وذُكر عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: « ما ضل قوم عن الحق إلا أوتوا الجدل » .
# عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل, وقرأ: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا ) ... الآية. »

# عن أبي أُمامة «
أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, خرج على الناس وهم يتنازعون
في القرآن, فغضب غضبا شديدًا, حتى كأنما صبّ على وجهه الخلّ, ثم قال صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: »
لا تَضْرِبُوا كِتَابَ الله بَعْضَهُ بِبَعْضٍ, فإنَّهُ ما ضَلَّ قَوْمٌ قَطُّ إلا أُوتُوا الجَدَلَ « , ثم تلا ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) . »


[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقوله: ( إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ )
يقول تعالى ذكره: فما عيسى إلا عبد من عبادنا, أنعمنا عليه بالتوفيق
والإيمان, وجعلناه مثلا لبني إسرائيل, يقول: وجعلناه آية لبني إسرائيل,
وحجة لنا عليهم بإرسالناه إليهم بالدعاء إلينا, وليس هو كما تقول النصارى
من أنه ابن الله تعالى, تعالى الله عن ذلك.

.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قوله: ( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ )
يقول تعالى ذكره: ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم, فأفنينا جميعكم, وجعلنا
بدلا منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني وذلك نحو قوله تعالى
ذكره: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا وكما قال: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ .


القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 61 ) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 62 )
اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: ( وَإِنَّهُ )
وما المعنيّ بها, ومن ذكر ما هي, فقال بعضهم: هي من ذكر عيسى, وهي عائدة
عليه. وقالوا: معنى الكلام: وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجيء الساعة, لأن
ظهوره من أشراطها ونـزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا, وإقبال الآخرة.


###################


وقال آخرون: الهاء التي في قوله: ( وَإنَّهُ ) من ذكر القرآن, وقالوا: معنى الكلام: وإن هذا القرآن لعلم للساعة يعلمكم بقيامها, ويخبركم عنها وعن أهوالها.

####################
واجتمعت قرّاء الأمصار في قراءة قوله: ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) على كسر العين من العلم. ورُوي عن ابن عباس ما ذكرت عنه في فتحها, وعن قتادة والضحاك.
والصواب من القراءة في ذلك: الكسر في العين, لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقد ذكر أن ذلك في قراءة أُبيّ, وإنه لذكر للساعة, فذلك مصحح قراءة الذين قرءوا بكسر العين من قوله: ( لَعِلْمٌ ) .

##############
وقوله: ( فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ) يقول: فلا تشكنّ فيها وفي مجيئها أيها الناس.
.
####################

وقوله: ( وَاتَّبِعُونَ ) يقول تعالى ذكره: وأطيعون فاعملوا بما أمرتكم به, وانتهوا عما نهيتكم عنه, ( هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) يقول: اتباعكم إياي أيها الناس في أمري ونهي صراط مستقيم, يقول: طريق لا اعوجاج فيه, بل هو قويم.
#####################

وقوله: ( وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ) يقول جلّ ثناؤه: ولا يعدلنكم الشيطان عن طاعتي فيما آمركم وأنهاكم, فتخالفوه إلى غيره, وتجوروا عن الصراط المستقيم فتضلوا ( إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )
يقول: إن الشيطان لكم عدوّ يدعوكم إلى ما فيه هلاككم, ويصدّكم عن قصد
السبيل, ليوردكم المهالك, مبين قد أبان لكم عداوته, بامتناعه من السجود
لأبيكم آدم, وإدلائه بالغرور حتى أخرجه من الجنة حسدًا وبغيًا.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا
جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ
وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ( 63 ) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ( 64 )

يقول تعالى ذكره: ولم جاء عيسى بني إسرائيل بالبينات, يعني بالواضحات من الأدلة. وقيل: عُني بالبيِّنات: الإنجيل.
#################
وقوله: ( قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ ) قيل: عُني بالحكمة في هذا الموضع: النبوّة.

##################
وقوله: ( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) يقول: ولأبين لكم معشر بني إسرائيل بعض الذي تختلفون فيه من أحكام التوراة.
##########
وقد قيل: معنى البعض في هذا الموضع بمعنى الكلّ, وجعلوا ذلك نظير قول لبيد?
تَــرَّاكُ أمْكِنَــةٍ إذَا لَــمْ أرْضَهَـا أوْ يَعْتَلِـقْ بَعْـضَ النُّفـوسِ حِمامُهـا
قالوا: الموت لا يعتلق بعض النفوس, وإنما المعنى: أو يعتلق
النفوس حمامها, وليس لما قال هذا القائل كبير معنى, لأن عيسى إنما قال لهم:
( وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ )
, لأنه قد كان بينهم اختلاف كثير في أسباب دينهم ودنياهم, فقال لهم: أبين
لكم بعض ذلك, وهو أمر دينهم دون ما هم فيه مختلفون من أمر دنياهم, فلذلك خص
ما أخبرهم أنه يبينه لهم. وأما قول لبيد: « أو يعتلق بعض النفوس » , فإنه إنما قال ذلك أيضا كذلك, لأنه أراد: أو يعتلق نفسه حمامها, فنفسه من بين النفوس لا شكّ أنها بعض لا كل.


#############
وقوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ )
يقول: فاتقوا ربكم أيها الناس بطاعته, وخافوه باجتناب معاصيه, وأطيعون
فيما أمرتكم به من اتقاء الله واتباع أمره, وقبول نصيحتي لكم.

###########
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ )
يقول: إن الله الذي يستوجب علينا إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له, ربي
وربكم جميعا, فاعبدوه وحده, لا تشكروا معه في عبادته شيئا, فإنه لا يصلح,
ولا ينبغي أن يُعبد شيء سواه.

################

وقوله: ( هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
يقول: هذا الذي أمرتكم به من اتقاء الله وطاعتي, وإفراد الله بالألوهة, هو
الطريق المستقيم, وهو دين الله الذي لا يقبل من أحد من عباده غيره.


##################

القول في تأويل قوله تعالى : فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ( 65 ) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ( 66 )
اختلف أهل التأويل في المعنيين بالأحزاب, الذين ذكرهم الله
فى هذا الموضع, فقال بعضهم: عنى بذلك: الجماعة التي تناظرت في أمر عيسى,
واختلفت فيه.


. وقال آخرون: بل هم اليهود والنصارى.

***************
والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: فاختلف الفرق
المختلفون في عيسى ابن مريم من بين من دعاهم عيسى إلى ما دعاهم إليه من
اتقاء الله والعمل بطاعته, وهم اليهود والنصارى, ومن اختلف فيه من النصارى,
لأن جميعهم كانوا أحزابا مبتسلين مختلفي الأهواء مع بيانه لهم أمر نفسه,
وقوله لهم: إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا
صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ .

وقوله: ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ )
يقول تعالى ذكره فالوادي السائل من القيح والصديد في جهنم للذين كفروا
بالله, الذين قالوا في عيسى ابن مريم بخلاف ما وصف عيسى به نفسه في هذه
الآية ( مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ) يقول: من عذاب يوم مؤلم, ووصف اليوم بالإيلام, إذ كان العذاب الذي يؤلمهم فيه, وذلك يوم القيامة.



################
وقوله: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) يقول: هل ينظر هؤلاء الأحزاب المختلفون في عيسى ابن مريم, القائلون فيه الباطل من القول, إلا الساعة التي فيها تقوم القيامة فجأة ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: وهم لا يعلمون بمجيئها.

##################

القول في تأويل قوله تعالى : الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ( 67 ) يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ( 68 )
يقول تعالى ذكره: المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في
الدنيا, بعضهم لبعض عدوّ, يتبرأ بعضهم من بعض, إلا الذين كانوا تخالّوا
فيها على تقوى الله.



########################

وقوله: ( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ )
وفي هذا الكلام محذوف استغنى بدلالة ما ذكر عليه. ومعنى الكلام: الأخلاء
يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين, فإنهم يقال لهم: يا عبادي لا خوف عليكم
اليوم من عقابي, فإني قد أمنتكم منه برضاي عنكم, ولا أنتم تحزنون على فراق
الدنيا فإن الذي قدمتم عليه خير لكم مما فارقتموه منها.


وذُكر أن الناس ينادون هذا النداء يوم
القيامة, فيطمع فيها من ليس من أهلها حتى يسمع قوله: الَّذِينَ آمَنُوا
بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ فييأس منها عند ذلك.


########################

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ( 69 ) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ( 70 )
وقوله: ( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا )
يقول تعالى ذكره: يا عبادي الذين آمنوا وهم الذين صدقوا بكتاب الله ورسله,
وعملوا بما جاءتهم به رسلهم, وكانوا مسلمين, يقول: وكانوا أهل خضوع لله
بقلوبهم, وقبول منهم لما جاءتهم به رسلهم عن ربهم على دين إبراهيم خليل
الرحمن صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, حنفاء لا يهود ولا نصارى, ولا أهل
أوثان.

وقوله: ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: ادخلوا الجنة أنتم أيها المؤمنون وأزواجكم مغبوطين بكرامة الله, مسرورين بما أعطاكم اليوم ربكم.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( تُحْبَرُونَ )
وقد ذكرنا ما قد قيل في ذلك فيما مضى, وبيَّنا الصحيح من القول فيه عندنا
بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع, غير أنا نذكر بعض ما لم يُذكر هنالك من
أقوال أهل التأويل.

ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) : أي تَنْعَمون.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: ( تُحْبَرُونَ ) قال: تنعمون.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( تُحْبَرُونَ ) قال: تكرمون.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) قال: تنعمون.

####################

القول في تأويل قوله تعالى : يُطَافُ
عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 71 )

يقول تعالى ذكره: يُطاف على هؤلاء الذين آمنوا بآياته في
الدنيا إذا دخلوا الجنة في الآخرة بصحاف من ذهب, وهي جمع للكثير من
الصَّحْفة, والصَّحْفة: القصعة.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ ) قال: القصاع.
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر, عن شعبة, قال: «
إنّ أدنى أهل الجنة منـزلة, من له قصر فيه سبعون ألف خادم, في يد كل خادم
صحفة سوى ما في يد صاحبها, لو فتح بابه فضافه أهل الدنيا لأوسعهم »
.

حدثنا ابن حميد, قال: ثنا يعقوب القميّ, جعفر, عن سعيد, قال: «
إن أخسّ أهل الجنة منـزلا من له سبعون ألف خادم, مع كل خادم صحفة من ذهب,
لو نـزل به جميع أهل الأرض لأوسعهم, لا يستعين عليهم بشيء من غيره, وذلك في
قول الله تبارك وتعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
ولهم ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ) »
.

حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, عن أبي أيوب الأزدي, عن عبد الله بن عمرو, قال: « ما أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألف غلام, كلّ غلام على عمل ما عليه صاحبه » .
#############

وقوله: ( وَأَكْوَابٍ ) وهي جمع كوب, والكوب: الإبريق المستدير الرأس, الذي لا أذن له ولا خرطوم, وإياه عنى الأعشى بقوله?
صَرِيفِيَّـــةٌ طَيِّـــبٌ طَعْمُهَـــا لَهَــا زَبَــدٌ بَيْــنَ كُــوب وَدَنّ

#################
ومعنى الكلام: يطاف عليهم فيها بالطعام في صحاف من ذهب,
وبالشرب في أكواب من ذهب, فاستغنى بذكر الصحاف والأكواب من ذكر الطعام
والشراب, الذي يكون فيها لمعرفة السامعين بمعناه « وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ » يقول تعالى ذكره: لكم في الجنة ما تشتهي نفوسكم أيها المؤمنون, وتلذّ أعينكم ( وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يقول: وأنتم فيها ماكثون,لا تخرجون منها أبدا.

كما حدثنا بشر, قال: ثنا عبد الرحمن, قال: ثنا سفيان, عن
علقمة بن مرثد, عن ابن سابط أن رجلا قال: يا رسول الله إني أُحِبُّ
الخَيْلَ, فهل في الجنة خيل؟ فقال: « إنْ يُدْخِلْكَ
الجَنَّةَ إنْ شاءَ, فَلا تَشاءُ أنْ تَرْكَبَ فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَةٍ
حَمْرَاءَ تَطيرُ بِكَ فِي أيّ الجَنَّة شِئْتَ إلا فَعَلَتْ »
, فقال أعرابيّ: يا رسول الله إني أحبّ الإبلَ, فهل في الجنة إبل؟ فقال: « يا أعرابيّ إنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الجَنَّةَ إنْ شاءَ اللهُ, فَفِيها ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ, وَلَذَّتْ عَيْنَاك » .

حدثنا الحسن بن عرفة, قال: ثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار,
عن محمد بن سعد الأنصاري, عن أبي ظبية السلفي, قال: إن السرب من أهل الجنة
لتظلهم السحابة, قال: فتقول: ما أُمْطِرُكُمْ؟ قال: فما يدعو داع من القوم
بشيء إلا أمطرتهم, حتى إن القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابا.

حدثنا ابن عرفة, قال: ثنا مرو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:26 am

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام: ( مَا تَشْتَهِيهِ ) بزيادة هاء, وكذلك ذلك في مصاحفهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق « تَشْتَهِي » بغير هاء, وكذلك هو في مصاحفهم.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان بمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

#######################

القول في تأويل قوله تعالى : وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 72 ) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ( 73 )
يقول تعالى ذكره: يقال لهم: وهذه الجنة التي أورثكموها الله عن أهل النار الذين أدخلهم جهنم بما كنتم في الدنيا تعملون من الخيرات.
( لَكُمْ فِيهَا ) يقول: لكم في الجنة فاكهة كثيرة من كلّ نوع ( مِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يقول: من الفاكهة تأكلون ما اشتهيتم.
################
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ( 74 ) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( 75 ) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ( 76 )
يقول تعالى ذكره ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ ) وهم الذين اجترموا في الدنيا الكفر بالله, فاجترموا به في الآخرة ( فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) يقول: هم فيه ماكثون.
لا يفتر عنهم, يقول: لا يخفف عنهم العذاب وأصل الفتور: الضعف ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) يقول: وهم في عذاب جهنم مبلسون, والهاء في فيه من ذكر العذاب. ويذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: « وَهُمْ فِيهَا مُبْلِسُونَ » والمعنى: وهم في جهنم مبلسون, والمبلس في هذا الموضع: هو الآيس من النجاة الذي قد قنط فاستسلم للعذاب والبلاء.
*****************************

وقال آخرون ----, عن السديّ ( وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ) متغير حالهم.

######################
وقوله: ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ) يقول تعالى ذكره: وما ظلمنا هؤلاء المجرمين بفعلنا بهم ما أخبرناكم أيها الناس أنا فعلنا بهم من التعذيب بعذاب جهنم ( وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ) بعبادتهم في الدنيا غير من كان عليهم عبادته, وكفرهم بالله, وجحودهم توحيده.

#######################

القول في تأويل قوله تعالى : وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ( 77 ) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ( 78 )
يقول تعالى ذكره: ونادى هؤلاء المجرمون بعد ما أدخلهم الله جهنم, فنالهم فيها من البلاء ما نالهم, مالكا خازن جهنم ( يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ )
قال: ليمتنا ربك, فيفرغ من إماتتنا, فذكر أن مالكا لا يجيبهم في وقت قيلهم
له ذلك, ويدعهم ألف عام بعد ذلك, ثم يجيبهم, فيقول لهم: ( إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) .


#####################

وقوله: ( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ ) يقول: لقد أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا محمدا بالحق.
كما حدثني محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, ( لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ ) , قال: الذي جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثرهم لما جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الحق كارهون.

####################

القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ( 79 ) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ( 80 )
يقول تعالى ذكره: أم أبرم هؤلاء المشركون من قريش أمرا
فأحكموه, يكيدون به الحقّ الذي جئناهم به, فإنا محكمون لهم ما يخزيهم,
ويذلهم من النكال.


#########################
وقوله: ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ )
يقول: أم يظنّ هؤلاء المشركون بالله أنا لا نسمع ما أخفوا عن الناس من
منطقهم, وتشاوروا بينهم وتناجوا به دون غيرهم, فلا نعاقبهم عليه لخفائه
علينا.


##############################
وقوله: ( بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )
يقول تعالى ذكره: بل نحن نعلم ما تناجوا به بينهم, وأخفوه عن الناس من سرّ
كلامهم, وحفظتنا لديهم, يعني عندهم يكتبون ما نطقوا به من منطق, وتكلموا
به من كلامهم.


##################
القول في تأويل قوله تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ( 81 ) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 82 )
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ )
فقال بعضهم: في معنى ذلك: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد في قولكم وزعمكم
أيها المشركون, فأنا أوّل المؤمنين بالله في تكذيبكم, والجاحدين ما قلتم من
أن له ولدا.


وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل ما كان للرحمن ولد, فأنا أول العابدين له بذلك.
.
وقال آخرون: بل معنى ذلك نفي, ومعنى إن الجحد, وتأويل ذلك ما كان ذلك, ولا ينبغي أن يكون.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قال قتادة: وهذه كلمة من كلام العرب ( إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) : أي إن ذلك لم يكن, ولا ينبغي.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) قال: هذا الإنكاف ما كان للرحمن ولد, نكف الله أن يكون له ولد, وإن مثل « ما »
إنما هي: ما كان للرحمن ولد, ليس للرحمن ولد, مثل قوله: وَإِنْ كَانَ
مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ إنما هي: ما كان مكرهم لتزول منه
الجبال, فالذي أنـزل الله من كتابه وقضاه من قضائه أثبت من الجبال, و « إن » هي « ما » إن كان ما كان تقول العرب: إن كان, وما كان الذي تقول. وفي

###########################

قوله: ( فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ) أول من يعبد الله بالإيمان والتصديق أنه ليس للرحمن ولد على هذا أعبد الله.
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سألت ابن محمد, عن قول الله: ( إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) قال: ما كان.
حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, قال: ثنا عمرو, قال: سألت زيد بن أسلم, عن قول الله: ( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ ) قال: هذا قول العرب معروف, إن كان: ما كان, إن كان هذا الأمر قط, ثم قال: وقوله: وإن كان: ما كان.
#####################

وقال آخرون: معنى « إن » في هذا الموضع معنى المجازاة, قالوا: وتأويل الكلام: لو كان للرحمن ولد, كنت أوّل من عبده بذلك.

#################.
وقال آخرون: معنى ذلك: قل إن كان للرحمن ولد, فأنا أوّل
الآنفين ذلك, ووجهوا معنى العابدين إلى المنكرين الآبين, من قول العرب: قد
عبِد فلان من هذا الأمر إذا أنف منه وغضب وأباه, فهو يعبد عبدا, كما قال
الشاعر?

ألا هَــوِيَتْ أُمُّ الوَلِيــدِ وأصْبَحَـتْ لِمَـا أبْصَـرَتْ فِـي الـرأس مِنِّي تَعَبَّدُ
وكما قال الآخر?
مَتـى مـا يَشـأْ ذُو الودّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ وَيَعْبَــدْ عَلَيْــهْ لا محَالَــةَ ظالِمَـا
##############
وقد حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, ثني
قال: ابن أبي ذئب, عن أبي قسيط, عن بعجة بن زيد الجهني, أن امرأة منهم دخلت
على زوجها, وهو رجل منهم أيضا, فولدت له في ستة أشهر, فذكر ذلك لعثمان بن
عفان رضي الله عنه فأمر بها أن تُرجم, فدخل عليه عليّ بن أبي طالب رضي الله
عنه فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ
ثَلاثُونَ شَهْرًا وقال: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ قال: فوالله ما عبِد
عثمان أن بعث إليها تردّ. قال يونس, قال ابن وهب: عبد: استنكف.

###############

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى: ( إنْ ) الشرط الذي يقتضي الجزاء على ما ذكرناه عن السديّ, وذلك أن « إن »
لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط
الذي يطلب الجزاء, أو تكون بمعنى الجحد, وهب إذا وجهت إلى الجحد لم يكن
للكلام كبير معنى, لأنه يصير بمعنى: قل ما كان للرحمن ولد, وإذا صار بذلك
المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفى بذلك عن الله عزّ
وجلّ أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات, ثم أحدث له الولد بعد أن لم يكن, مع
أنه لو كان ذلك معناه لقدر الذين أمر الله نبيَّهُ محمدا صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد, فأنا أول العابدين أن
يقولوا له صدقت, وهو كما قلت, ونحن لم نـزعم أنه لم يزل له ولد. وإنما
قلنا: لم يكن له ولد, ثم خلق الجنّ فصاهرهم, فحدث له منهم ولد, كما أخبر
الله عنهم أنهم كانوا يقولونه, ولم يكن الله تعالى ذكره ليحتجّ لنبيه
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وعلى مكذبيه من الحجة بما يقدرون على الطعن
فيه, وإذ كان في توجيهنا « إن » إلى معنى الجحد
ما ذكرنا, فالذي هو أشبه المعنيين بها الشرط. وإذ كان ذلك كذلك, فبينة صحة
ما نقول من أن معنى الكلام: قل يا محمد لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة
بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم, ولكنه لا ولد له,
فأنا أعبده بأنه لا ولد له, ولا ينبغي أن يكون له.

وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجه
الشكّ, ولكن على وجه الإلطاف من الكلام وحسن الخطاب, كما قال جلّ ثناؤه
قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ
مُبِينٍ .

وقد علم أن الحقّ معه, وأن مخالفيه في الضلال المبين.
####################

وقوله: ( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ )
يقول تعالى ذكره تبرئة وتنـزيها لمالك السموات والأرض ومالك العرش المحيط
بذلك كله, وما في ذلك من خلق مما يصفه به هؤلاء المشركون من الكذب, ويضيفون
إليه من الولد وغير ذلك من الأشياء التي لا ينبغي أن تضاف إليه.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

################
القول في تأويل قوله تعالى : فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ( 83 ) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ( 84 )
يقول تعالى ذكره: فذر يا محمد هؤلاء المفترين على الله, الواصفة بأن له ولدا يخوضوا في باطلهم, ويلعبوا في دنياهم ( حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) وذلك يوم يصليهم الله بفريتهم عليه جهنم, وهو يوم القيامة.
#######################

وقوله: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ )
يقول تعالى ذكره: والله الذي له الألوهة في السماء معبود, وفي الأرض معبود
كما هو في السماء معبود, لا شيء سواه تصلح عبادته; يقول تعالى ذكره:
فأفردوا لمن هذه صفته العبادة, ولا تشركوا به شيئا غيره.


################.
وقوله: ( وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) يقول: وهو الحكيم في تدبير خلقه, وتسخيرهم لما يشاء, العليم بمصالحهم.

###############

القول في تأويل قوله تعالى : وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 85 )
يقول تعالى ذكره, وتبارك الذي له سلطان السموات السبع
والأرض, وما بينهما من الأشياء كلها, جار على جميع ذلك حكمه, ماض فيهم
قضاؤه. يقول: فكيف يكون له شريكا من كان في سلطانه وحكمه فيه نافذ. ( وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) يقول: وعنده علم الساعة التي تقوم فيها القيامة, ويُحشر فيها الخلق من قبورهم لموقف الحساب.

####################

قوله: ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: وإليه أيها الناس تردّون من بعد مماتكم, فتصيرون إليه, فيجازي المحسن بإحسانه, والمسيء بإساءته.

##################

القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 86 )
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ولا
يملك عيسى وعُزير والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركون بالساعة, الشفاعة
عند الله لأحد, إلا من شهد بالحقّ, فوحد الله وأطاعه, بتوحيد علم منه وصحة
بما جاءت به رسله.


############.
قوله: ( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ )
قال: كلمة الإخلاص, وهم يعلمون أن الله حقّ, وعيسى وعُزير والملائكة يقول:
لا يشفع عيسى وعُزير والملائكة إلا من شهد بالحقّ, وهو يعلم الحقّ.

وقال آخرون: عني بذلك: ولا تملك الآلهة التي يدعوها
المشركون ويعبدونها من دون الله الشفاعة إلا عيسى وعُزير وذووهما,
والملائكة الذين شهدوا بالحقّ, فأقروا به وهم يعلمون حقيقة ما شهدوا به.


########.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره
أخبر أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من دون الله الشفاعة عنده لأحد,
إلا من شهد بالحقّ, وشهادته بالحقّ: هو إقراره بتوحيد الله, يعني بذلك: إلا
من آمن بالله, وهم يعلمون حقيقة توحيده, ولم يخصص بأن الذي لا يملك ملك
الشفاعة منهم بعض من كان يعبد من دون الله, فذلك على جميع من كان تعبد قريش
من دون الله يوم نـزلت هذه الآية وغيرهم, وقد كان فيهم من يعبد من دون
الله الآلهة, وكان فيهم من يعبد من دونه الملائكة وغيرهم, فجميع أولئك
داخلون في قوله: ولا يملك الذين يدعو قريش وسائر العرب من دون الله الشفاعة
عند الله. ثم استثنى جلّ ثناؤه بقوله: ( إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )
وهم الذين يشهدون شهادة الحقّ فيوحدون الله, ويخلصون له الوحدانية, على
علم منهم ويقين بذلك, أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها, كما قال جلّ
ثناؤه: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى فأثبت جلّ ثناؤه للملائكة
وعيسى وعُزير ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان باستثنائه الذي
استثناه.


######################

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ( 87 ) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ( 88 )
يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: الله خلقنا.
( فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم, ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته.
وقوله: ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) اختلفت القرّاء في قراءة قوله:
( وَقِيلِهِ ) فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة « وَقِيلَهُ »
بالنصب. وإذا قرئ كذلك ذلك, كان له وجهان في التأويل: أحدهما العطف على
قوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ونسمع
قيله يا رب. والثاني: أن يضمر له ناصب, فيكون معناه حينئذ: وقال قوله: ( يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) وشكا محمد شكواه إلى ربه. وقرأته عامة قرّاء الكوفة ( وقِيلِهِ ) بالخفض على معنى: وعنده علم الساعة, وعلم قيله.


##########
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة
الأمصار صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن: وقال
محمد قيله شاكيا إلى ربه تبارك وتعالى قومه الذين كذّبوه, وما يلقى منهم:
يا ربّ إن هؤلاء الذين أمرتني بإنذارهم وأرسلتني إليهم لدعائهم إليك, قوم
لا يؤمنون.


# , عن قتادة ( وَقِيلِهِ يَارَبِّ ) قال: هو قول النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ) .

##############
القول في تأويل قوله تعالى : فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ( 89 )
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, جوابا له عن دعائه إياه إذ قال: « يا ربّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون » ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) يا محمد, وأعرض عن أذاهم ( وَقُلْ ) لهم ( سَلام ) عليكم ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم.
##################

واختلف القرّاء في قراءة قوله: ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة « فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ » بالتاء على وجه الخطاب, بمعنى: أمر الله عزّ وجلّ نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يقول ذلك للمشركين, مع قوله: ( سَلام )

##########

وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض قرّاء مكة ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) بالياء على وجه الخبر, وأنه وعيد من الله للمشركين, فتأويله على هذه القراءة: ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ ) يا محمد ( وَقُلْ سَلام ) .
############

ثم ابتدأ تعالى ذكره الوعيد لهم, فقال ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
ما يلقون من البلاء والنكال والعذاب على كفرهم, ثم نسخ الله جلّ ثناؤه هذه
الآية, وأمر نبيَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقتالهم.


############################
آخر تفسير سورة الزخرف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
ملكة الاحزان
نائب المدير
نائب المدير
ملكة الاحزان


انثى
عدد المساهمات : 12667
العمر : 35
العمل/الترفيه : مدرسـة
المزاج : اللهم لك الحمد
الجامعة : جامعة الأسكندرية
الكلية : كلية الآداب
الفرقة : خريج
الشعبة : عامة
المحافظة : البحيرة
المدينة : دمنهور
نقاط : 19637
تاريخ التسجيل : 10/08/2008
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" 800341355

الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"   الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس" Emptyالخميس 03 نوفمبر 2011, 2:27 am

يتـــــــــــــــــــــــــبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://malket-elahzan.yoo7.com
 
الوجيز في تأويل الكتاب العزيز "ربع يس"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الوجيز في تأويل الكتاب العزيز / الفاتحة --البقرة --وحتّى يس
»  حكايات ألف خيبــــــــة و خيبــــــــة .. ( ممنوع دخول مرضى القلب والضغط والسكر )
» رساله الى عدوى العزيز
» علي رايء ياسمين عبد العزيز
» كريم عبد العزيز وزوجتة....

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى طلاب كلية التجارة بدمنهور :: «۩۞۩-الركن الديني-۩۞۩» :: قرآن كريم-
انتقل الى: